تحقيقات وتقارير

تفتيح البشرة .. (فسخ وجلخ ..وقروش الكريمات أهم من المذكرات )

 

في الوقت الذي تبحث فيه البلاد عن مخرج للضائقة الاقتصادية ونقص العملة الصعبة  التي يستورد بها مقومات الحياة اليومية للمواطنين الذين عانوا الوقوف في الصفوف وحرموا من أن يأخذوا أموالهم  بحساباتهم في البنوك لقضاء احتياجات مختلفة (المرض ، السفر،  والمناسبات )، نصطدم بتصريح خطير من رئيس جمعية حماية المستهلك يشير فيه إلى  تقرير بنك السودان للعام 2017م، الذي  أورد أن تكلفة استيراد مستحضرات التجميل بلغت قيمتها (900) مليون دولار، وهي عبارة عن أداة موت بطئ لبناتنا، وتحولت للأسف الشديد اهتمامات البنات  إلى تفتيح بشرتهن عقب ارتفاع معدلات العنوسة اعتقاداً منهن أن التفتيح أو أن البشرة البيضاء أو النظيفة تجلب فارس الأحلام …وربما قد يقع هذا الاهتمام تحت طائلة ضعف الوازع الديني أو عدم الرضاء بما قسمه الله لهن من خلقة. (الإنتباهة) أفردت الملف وجددت رحلة البحث حول معرفة مدى اهتمام الفتيات بالكريمات ولتكشف المخاطر المدمرة للحياة التي يمكن أن تصيبهن بالموت أو التشوهات .

 

من الميدان

وبموجب تحذيرات اختصاصيي الأمراض الجلدية للفتيات والنساء من مغبة استخدام حقن التفتيح والكريمات الخاصة بالتبييض، ومطالبتهم  بالتدخل الفوري للدولة للحد من تجارة مستحضرات التفتيح .  تجولت (الإنتباهة) داخل الأسواق لرصد قابلية شراء تلك الكريمات القاتلة. ويقول أحد التجار بسوق ليبيا إن الكريمات المبيضة للبشرة تأتي عبر القنوات الرسمية  وبأوراق رسمية،  كما أنها تأتي عبر الجمارك ولا نلجأ لجلبها عن طريق التهريب. وأقر بعدم تصريحها من قبل وزارة الصحة والتي دائماً ما تقوم بحملات ضد  هذه المستحضرات ومصادرتها ودفع غرامة تصل إلى 10 آلاف جنيه، وبالرغم من ذلك  لا يستطيعون التوقف  عن تجارتها  نسبة إلى أنها مربحة وذات إقبال عالٍ. وأضاف أن البضاعة التي يتم مصادرتها لا يملك أصحابها أوراقاً رسمية من هيئة الجمارك أو منتهية الصلاحية .

 

اسم الخلطة

لم يكن صعباً على (الإنتباهة) الدخول لاستراحات بعدد من الجامعات، وكانت الوقفة على طريقة التآنس بين الطالبات اللاتي لا يشغلهن أمر سوى (اسم الخلطة) التي تستعملها زميلتها وبحسب طريقتهن (ظبطت معها) لنرى عالماً آخراً بعيداً عن الواقع ولا يفكرن في شيء سوى (كيف تفتح لونك)  فكل واحدة تنادي لصديقتها لترى مدى تأثير الكريم على صديقتهن الأخرى .

 

وأقرت الطالبة شذى باستعمالها للكريمات بحيث لا يمكن أن تنكر فصاحب العقل يميز، وقالت إنها فور أن تخلص من السمستر الحالي سوف يتم عقد قرانها لذا لابد أن تكون جاهزة وتهتم بلونها تفادياً لحرقة الشمس . أما ليلى فقالت ( لا يمكن أن نوقف الكريمات)، وأضافت حاولت في فترة سابقة أن أتخلص من إدمان الكريمات واكتفي بالمنظفات الطبيعية لكن أصبح لون بشرتي أغمق مما كان، فتراجعت عن الفكرة وأحضرت (الخلطات)، لتعلق زميلتها رنا ضاحكة  (قروش الكريمات أهم من المذكرات). لتشاركهما الرأي الطالبة مهاد وقالت إنها تستخدم كريم التبييض لأن صديقتها تستخدمه والكثير من الصديقات يقمن باستعمال مجموعات تجميل وكريمات متشابهة ، كما أوضحت أنه يجب عليها استعمال الكريم بصورة متكررة لأنها إذا توقفت فسوف يقود لنتائج عكسية على البشرة (بتخرب) و تكون أكثر سواداً أما رباب ربة منزل قالت استخدم كريمات التبييض والتقشير من أجل الجمال (الجيهة)، وأن الرجال عينهم طايرة ويفضلون  البنات صاحبات البشرة البيضاء.

 

(الجلخ)

ومن خلال جولة (الإنتباهة) للوقوف على استخدام كريمات التبييض ورفض الفتيات إلى لون بشرتهن السمراء، كانت الصدمة أن نجد أن هاجس تفتيح البشرة  (الجلخ) لا يتوقف عند الفتيات فقط بل وصل إلى الشباب . وبالدخول لقاعات الدراسة نرى الحقيقة المؤلمة حتى أصبح التمييز بين الشاب والفتاة فيه نوع من الصعوبة . وبالرغم أن تلك المستحضرات غير المصرح بها من قبل  وزارة الصحة  و غير مسجلة بمجلس الصيدلة والسموم إلا أنها  متوفرة ومنتشرة  بمحلات بيع الجملة وأصحاب (البوتيكات) الذين يقومون بخلطها والحصول على تركيبة واحدة  من عدد من الكريمات.

 

منافسات

ورصدت (الإنتباهة) التسابق والتنافس الذي يتم في قروبات التواصل الاجتماعي (واتساب وفيس بوك ) في الترويج لمنتجات التبييض بكل أنواعها ومن مسميات بعض القروبات ( فسخ وجلخ وظابط ولا ماسورة ) وتقوم السيدات في هذه القروبات برفع الصور عندما يكون للكريم آثار تفتيح ظاهرة وسريعة وتبادل التباهي فيما بينهن مقابل جائزة (خلطة تفتيح ) مقدمة من مدير القروب ويستمر التسابق عليها .

 

مسميات سوقية

ويشير  صاحب بوتيك شهير بمنطقة الخرطوم  بحري  يقوم بإعداد   (الخلطات)  إلى  إقبال كبير من قبل الفتيات لهذا النوع من المستحضرات  ،مضيفاً أن هناك شباباً يأتون للمحل ويطلبون أنواعاً معينة من (اللوشنات) المخصصة لتفتيح البشرة أي أن الاستخدام ليس قاصراً على الفتيات فقط، مضيفاً أن أشهر أنواع المستحضرات هي (النيو لايت) ويطلق عليه في السوق  باسم (الدعم السريع ) بجانب كريم  (اسبوتلس) ومعروف لدى البنات  باسم (الشطة) فضلاً عن دكتور كلير الشهير (باللمبة ) وأن أكثر الكريمات المستخدمة هي (السفيكس ، اتش 20 و الكارولايت ) ، لافتاً إلى تنفيذ حملات من قبل مجلس الصيدلة والسموم وتعرض أصحاب محلات كريمات التبييض إلى محاكمة وغرامة تراوحت بين ( 200 إلى 10 آلاف) حسب نوعية وكمية البضاعة التي يمتلكها صاحب المحل .

 

قدر ظروفك

ولارتفاع  أسعار الكريمات وصعوبة عزوف الفتيات عنها خلق التجار مسمى يرضي كل الأطراف (قدر ظروفك) وهي كما ذكرها صاحب بوتيك علاء الدين لـ(الإنتباهة) تركيب الكريم بخلط صباعات التبييض لعمل التركيبات إضافة إلى بيع كريمات التفتيح الأخرى في عبوات صغيرة ليكون سعرها في متناول الجميع بجانب تقسيم صابون التبييض لقطع صغيرة تقديراً لظروف المستهلكات اللاتي أغلبهن طالبات جامعيات . وقال أما خلطات التبيض فهي تركب عن طريق الدكاترة والصيادلة .

 

دراسة علمية

ولخطورة الأمر أجرت اختصاصية الجلدية د . إيمان كمال مهدي  دراسة بحثية حول  أثر كريمات تبييض البشرة على النساء، واستهدفت الدراسة ( 530 ) سيدة  تفاوتت أعمارهن ما بين (16 و26 ) ووقفت الدراسة على ظاهرة انتشار كريمات التفتيح وآثارها الجانبية والتعرف على الكريمات الأكثر شيوعا ، لتكشف أن 70% من النساء يستخدمن كريمات التبييض وتبلغ نسبة الطالبات الجامعيات في هذه النسبة 90% كما تم فحص جلد لكل السيدات الخاضعات للدراسة ووجدوا أن اللاتي لا يستخدمن كريمات التفتيح لديهن جلد صحيح .

 

قبول اجتماعي

ولمعرفة أسباب استعمال كريمات التبييض تواصل د.إيمان سرد معلومتها التي أطلقتها وفقاً لدراسة طويلة، أن 10%من السيدات استخدمن كريم التبييض للقبول الاجتماعي و7% لأنها عادة منتشرة و22%  لوجود سواد  و مشاكل  بالبشرة ،بينما 21 % من السيدات يبحثن عن الجمال و هو السبب الرئيس وراء استخدام الكريمات.

 

طريق الموت

فيما أجمع عدد من أطباء الجلد أن ظاهرة تفتيح البشرة مزعجة نتيجة للآثار السالبة للكريمات، فهي تسبب فشل الجلد وهو من أحد الأسباب المميتة .

وأشارت اختصاصية جلدية د. إيمان  كمبال  لـ(الإنتباهة) أن بعض السيدات يستخدمن الكريمات والبعض يستخدمن الصابون المبيض كما يقمن باستعمال الخلطات والحبوب، وقالت ظهرت أنواع جديدة مبيضة تزيل صبغة الجلد ولفتت إلى أن استخدام حقن التبييض  الأكثر خطورة لإزالتها صبغة (الميلانين) كلياً مما يؤدي للفشل الكلوي وفشل الجلد، كما أن استعمال المبيضات تكمن خطورتها  في التأثير على الأجنة وتؤدي إلى تشوهات الجنين والإجهاض والولادة غير الكاملة.

 

عدم مهنية

ويقول الأمين العام لجمعية حماية المستهلك د. ياسر ميرغني أنه في عام 2017 م استورد السودان كريمات  تجميل بقيمة 900 مليون دولار بالسوق الموازي ، كما أكد أن الأطباء الصيدلانيين لهم دور سيئ فيما يخص خلطات التبييض التي تباع في الصيدليات بأسمائهم، وهذا مخالف لشرف المهنة الذي أدوا القسم بأن لا تباع الخلطات إلا بوصفة طبية من اختصاصي الجلدية ، كما أن بعض أطباء الجلدية لا يراعون للأمانة المهنية ، كما تحدث عن حقن التفتيح المعروفة  بـ(ملاثيون)  والتي أوضح أنها تستخدم لعلاج سرطان الكبد ومن آثارها الجانبية تفتيح البشرة وأن سعرها في عام 2005م كان بقيمة  5 آلاف درهم إماراتي .

 

ما سبق جزء يسير من اهتمام النساء في بلادي للأسف، ولا تستطيع التفريق فيه بين متعلمة أو غير متعلمة ، فالكل يسعى لتحسين شكله ولونه بكل الطرق سواء كانت ممكنة أو غير ممكنة ،وفيما تقود عمليات الاستغلال للفتيات أحياناً إلى آثار سالبة خاصة المتزوجات والذين يسعين لجذب اهتمام أزواجهن بأي شكل قد يصل الأثر إلى الطلاق ، فهناك دور قد يبدو قاصراً في التوعية من قبل وزارة الصحة أو من قبل الدعاة أو منظمات المجتمع المدني ،فالكل يحتاج للتوعية وللرضاء بالقسمة والنصيب ، في خلقة الله ، وللغرابة يسعى أصحاب البشرة البيضاء في أوروبا أو غيرها من الجهات لتغيير لون البشرة للسمار ، ولكن الفرق أنهن يكتسبن لون السمار بأشعة الشمس ،أي بشيء طبيعي ،ويبدو أن الملف هذا لن يتوقف عند هذا التحقيق المبدئي والذي سيتبعه تحقيق آخر للتوعية ولقياس الأثر .

 

الخرطوم (صحيفة الإنتباهة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى