تحقيقات وتقارير

بين المحركات والكوابح.. هذه أسباب بعث النزعات الانفصالية بشرق السودان من جديد

تعتمد المناداة بحق تقرير المصير في شرق السودان على إرث قديم يعود إلى أكتوبر 1958، عندما دعا مؤتمر تأسيسي للبجا ببورتسودان الحكومة المركزية في الخرطوم لاعتماد الحكم الفدرالي.

 

وبناء عليه، تعد دعوات الاستقلال عن الدولة المركزية بدارفور وجنوب كردفان والشرق، والتي تكللت بالنجاح في جنوب السودان؛ مواقف لاحقة لمؤتمر البجا في الشرق.

 

وتبنى مؤتمر نظارات البجا والعموديات المستقلة بالشرق، الذي اختتم أعماله بسنكات في 29 من الشهر الماضي، ضمن توصياته طرح حق تقرير المصير لشرق السودان.

 

لكن مكمن خطورة مطالب استقلال الإقليم الشرقي -الذي يضم ولايات القضارف وكسلا والبحر الأحمر- أن المنطقة حسب أطراف فاعلة في الشرق تضم سواحل السودان على البحر الأحمر، بطول نحو 800 كيلومتر.

 

ويطل شرق السودان على دول ذات مصالح توسعية مثل إثيوبيا التي تستولي على أراضي الفشقة الزراعية بالقضارف، وإريتريا التي ترى في كسلا امتدادا طبيعيا لها، ومصر التي تضع يدها على مثلث حلايب المطل على البحر الأحمر.

 

وتتفق الأطراف التي تقف على طرفي نقيض في شرق السودان على أن الإقليم يتعرض لمؤامرة خارجيةـ في حين يتهم كل طرف الآخر بالتبعية للنظام السابق.

 

ويقول مقرر المجلس الأعلى لنظارات قبائل البجا والعموديات المستقلة عبد الله أوبشار إنهم “لأول مرة يحسون بالتدخل الخارجي والوصاية عبر الجبهة الثورية، التي وقّعت اتفاق سلام مع الحكومة السودانية بجوبا في الثالث من الشهر الحالي”.

 

ويضيف أن مسار الشرق في مفاوضات جوبا ضم عناصر أجنبية فاوضت لصالح أجندات خارجية تحاول بيع الموانئ السودانية على البحر الأحمر.

 

وتم إلغاء عقد لإدارة وتشغيل الميناء الجنوبي ببورتسودان (أكبر موانئ السودان) مع شركة فلبينية مقرها إمارة دبي في أغسطس 2019، إثر احتجاجات لعمال هيئة الموانئ.

 

 

ويشدد أوبشار على أنهم يواجهون عناصر خارجية تقود التفاوض باسم الشرق، وتدعم النظام البائد، وتدين بالولاء لإريتريا، فضلا عن محاولات لخصخصة الموانئ من دول كبيرة داعمة لمفاوضات جوبا ويتابع قائلا “لأول مرة هناك انتشار للأسلحة بشكل مخيف واقتتال قبلي، ولولا الحكمة لتحول الشرق لدارفور أخرى”.

 

ويؤكد أن تدخل الجبهة الثورية سبب رئيسي لاشتعال الأوضاع في الشرق، وإذا لم تنتبه الحكومة فمن الأفضل تبني حق تقرير المصير، ويمكن تجاوز الطلب إذا حلت المشاكل العالقة الآن ومنذ أكثر من عام تكررت مواجهات قبلية في الشرق بسبب إقحام مسار للشرق في مفاوضات جوبا.

 

ويرى أن ما حدث في جوبا كان كفيلا بتوحيد البجا ضد عناصر أجنبية تدعي امتلاك الأرض والتاريخ، مما أعاد النزعة الاستقلالية بالشرق، والتي طفت للسطح مبكرا منذ مؤتمر البجا ببورتسودان عام 1958 كأول منطقة تطلب الحكم الفدرالي.

 

 

 

لكن محمد إدريس عمر الكاتب والمهتم بقضايا الشرق يرى أن طرح حق تقرير المصير لا يعدو أن يكون “مكايدة سياسية”، لأن التيار المطالب ليس أغلبية، بل هو جزء من نظارة قبيلة الهدندوة في ظل وجود 8 نظارات لا تؤيد هذا الخيار، مثل الشكرية والبوادرة والنوبة والبني عامر والشماليين في مدن الشرق.

 

ويعزو إدريس في حديث للجزيرة طرح هذا المطلب لابتزاز المركز سياسيا ليقبل بإيقاف مسار الشرق وقيام إقليم البجا ومراجعة السجل الوطني وإعادة ترسيم الحدود، رغم عدم وجود نزاع حدودي على شاكلة أبيي المتنازع عليها مع دولة جنوب السودان.

 

ويؤكد أن “المجموعة المطالبة بتقرير المصير يمثلها ناظر عموم قبيلة الهدندوة ومحشورة في شريط ضيق بهداليا ودرديب في منطقة القاش، وهي مجموعة واقعة في أحضان محاور خارجية مثل مصر وتركيا، وتضم قيادات موالية للنظام السابق”.

 

ويحذر إدريس من انقياد الحكومة الاتحادية لمطالب هذه المجموعة، منتقدا حضور ممثلين للحكومة المركزية على رأسهم محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة لختام مؤتمر سناك في 29 سبتمبر الماضي.

وبعيدا عن الأطراف المتناحرة بشرق السودان، يرى الناشط في قضايا التماس يونس عيسى أن مطلب حق تقرير المصير ليست له سيقان ومقومات في الإقليم الشرقي.

 

ويرجع عيسى تكتل ولايات دارفور وكردفان والشرق وتزايد المطالب بحق تقرير المصير للغبن السياسي وتراكم قضايا مطلبية أهملتها الحكومات المركزية المتعاقبة.

 

ويقول للجزيرة نت هذه المطالب سواء في كردفان أو دارفور أو شرق السودان تظل في خانة المناورة والتكتيك للضغط على المركز، لأن حق تقرير المصير على الأرض غير موجود في هذه المناطق مثلما كانت الحال قبل انفصال جنوب السودان في يوليو 2011.

 

ويشير إلى عدم وجود موارد كافية في شرق السودان لتشكيل دولة مستقلة، إلى جانب عدم وجود غطاء دولي كما كان في حالة جنوب السودان، الذي استقل بعد استفتاء أيد الانفصال بنسبة فاقت 98%.

 

ويقلل من الاتهامات لإريتريا بتصعيد الأوضاع في شرق السودان، قائلا إن أسمرا بالكاد يمكن أن تستخدم التداخل القبلي مع السودان، لكن من الصعب توفر بعد دولي داعم أو راغب في استقلال شرق السودان.

 

ويوضح أن تقرير المصير يحتاج إلى تعريف، فهناك تقرير مصير خارجي يقود للاستقلال، وتقرير مصير داخلي هدفه معالجة قضايا التنمية والتهميش ومنح الأقاليم صلاحيات أوسع.

 

 

وطبقا للصحفي عبد القادر باكاش الذي نشط في مؤتمر المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة بسنكات خلال الفترة من 27 إلى 29 سبتمبر الفائت، فإن تقرير المصير جاء في ورقة قدمها خبراء وخضع للنقاش وأقر كتوصية.

 

ويقول باكاش للجزيرة نت إن هذه التوصية بمثابة نواة لانفصال الشرق، مما يجعل الحكومة المركزية أمام تحد، لأن انفصال الشرق الذي يضم قوميات ليست بعيدة ثقافيا ودينيا عن بقية القطر سيكون قاسيا، وليس كانفصال جنوب السودان.

 

ورغم أن قيادات المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة لبت دعوة للاجتماع مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان مساء السبت الماضي بالقصر الرئاسي، فإنها -وطبقا لمقرر المجلس- بدأت اتصالات مع منظمات من ضمنها الأمم المتحدة لإطلاعها على تبني حق تقرير المصير.

 

كما أن اعتصامات البجا في سنكات على الطريق القومي الرابط بين الخرطوم وميناء بورتسودان وفي موانئ البحر الأحمر ما زالت قائمة لحين تلبية المطالب التي من بينها تعيين وال جديد لولاية كسلا.

 

وطبقا لمصادر حكومية تحدثت للجزيرة نت فإن الحكومة الاتحادية ستنهي أزمة تعليق تعيين الوالي صالح عمار عبر تعديلات في مجلسي السيادة والوزراء لاستيعاب الموقعين على اتفاقية جوبا من الجبهة الثورية.

 

الخرطوم : احمد فضل

الجزيرة نت

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى