انسحاب الشيوعي من قوى التغيير .. تصحيح مسار أم تكتيكات ودعاية سياسية؟

بالرغم من تأكيدأت الحزب الشيوعي بأنه لا ينوي الخروج عن قوى الحرية والتغيير، إلا أنه نحى منحى مغايراً عن مواقفه السابقة، وهذا يقرأ من خلال بيانه الذي أعلن فيه انسحابه من التحالف الحاكم، وقال الحزب في بيانه الذي أطلعت عليه (الجريدة) : انه وبعد مداولات يومي الجمعة والسبت، قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الانسحاب من قوى الإجماع الوطني، وقوى الحرية والتغيير، والعمل مع قوى الثورة والتغيير المرتبطة بقضايا الجماهير وأهداف وبرامج الثورة، وأضاف: ظلت عناصر من الحرية والتغيير تعقد الاتفاقات السرية والمشبوهة داخل وخارج البلاد، وتقود التحالف نحو الانقلاب على الثورة،والموافقة على السياسات المخالفة للمواثيق والإعلانات المتفق عليها، وتابع: ظلت هذه العناصر رغم موقفها الشكلي في مجلس الحرية والتغيير، تتآمر على توصيات اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير، وتقف مع سياسات الحكومة الداعمة لتحرير السلع الأساسية ورفع الدعم، واعتماد توصيات صندوق النقد الدولي.
فلاش باك
في وقت سابق قال الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي فتحي فضل، إن الحزب لن يخرج من (قحت)، مؤكدا في حديثه لـ(الجريدة) أن الحزب الشيوعي أحد الأعمدة المكونة لـقوى الحرية والتغيير، وعليه فإن وجود (قحت) المناضلة تمثل طموح وتطلعات قوى الثورة وبشكل خاص لجان المقاومة، وتيار الانتقاضة، وضحايا السدود ومصادرة الاراضي والنازحين وضحايا الحروبىبالمعسكرات بدارفور، والغير موجودين بـ(قحت) الآن، وتابع «لذلك كل ما نحاوله أن تجد هذه الجماهير مكانها في قيادة (قحت) لأنها صنعت الثورة وهذا حقها، وعليه من يريد الخروج عن (قحت) لا يؤمن بهذا الشعب « واضاف «نحن نؤمن إيماناً قاطعاً بوجودنا داخل (قحت) ونسعى لتطوير (قحت) في إطار نضالي يراعى وينفذ ما تضمنه الإعلان» .
*لماذا الخروج؟
عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي كمال كــرار، يبرر خطوة انسحابهم من الحرية والتغيير وقوى الإجماع الوطني بأن الحكومة لا تعبر عن الثورة، كما أن الحاضنة السياسية تتحمل هذه المسؤولية لجهة أنها هي التي جاءت بالحكومة، وقال كرار في تصريح خص به (الجريدة) إن خروجهم من (قحت) مهم، بجانب انه ضروري وتأخر طويلا، وأضاف: صبرنا على هذه التحالفات بما فيها الحكومة المدنية، كما كانت كل نداءاتنا ورجاءاتنا صرخة في فراغ « وتابع: كل ما أعدنا التذكير بمطالب الثورة ظلت الحكومة تعمل ضد أهداف وتطلعات الشعب السوداني المتمثلة في البرنامج الاقتصادي والعلاقات الخارجية، واصفا في ذات الوقت الحكومة بأنها تسير على خطى النظام البائد، مؤكداً بأن نظام الإنقاذ لم يتفكك بعد وانه مازال يتحكم في المشهد الاقتصادي، واضاف كرار، أن خطوات تشكيل المجلس التشريعي لا تخدم قضية الشعب السوداني وأن الوثيقة الدستورية جرى التنكر لها باتفاق سلام جوبا، بجانب انه ماعاد في الوقت متسع للمزيد من تضييع الحقوق وأن الحزب بهذا الموقف يتجه نحو الجماهير التي صنعت الثورة لاستعدال واسترداد مسارها، وذكر : أن الحد الأدنى للتحالف أصبح غير موجوداً وعليه من الطبيعي أن يكون الحزب خارج قوى الحرية والتغيير وقوى الإجماع الوطني .
دعاية سياسية
أستاذ العلوم السياسية بمركز الراصد الفاتح محجوب يقرأ خروج الحزب الشيوعي من (قحت) من عدة زوايا حيث قال، إن اعلان الحزب الشيوعي خروجه من قوى الحرية والتغيير يعتبر مجرد دعاية سياسية لجهة أن الإعلان لم يشتمل على خروج المحسوبين على الحزب من الحكومة التي يسيطر عليها ذات الحزب الشيوعي وحلفائه ، مؤكدا أنها سيطرة شبه كاملة، وقال محجوب في تصريح خص به (الجريدة) : معظم قيادات الحكومة من الشيوعيين ابتداء من رئيس مجلس الوزراء مرورا بوزرائه.
لكنهم تحت لافتة شيوعيين سابقين، لافتا الى أن الحزب الشيوعي يرمي من خلال هذا الاعلان للتواجد في المعارضة والحكومة لجهة انه لاحظ أن المسيرة السابقة التي تبناها قد فشلت بحكم أن من دعا إليها هو جزء من الحكومة وعليه بحسب محجوب لا يعقل أن يهاجم الحكومة، وذهب محجوب ابعد من ذلك حينما قال إن خروج
الحزب من (قحت) الغرض منه تصفيتها لصالح التحالف مع الحركة الشعبية جناح الحلو وعقار باعتبارهم حركتان يساريتان ومحسوبتان على الأجندة المضادة للإسلام والعروبة، كما أنها تلتقي في معظم أهدافها مع الحزب الشيوعي، ولم يستبعد الفاتح أن يكون الخروج الهدف منه الضغط على المكون العسكري و إنهاء شراكته مع (قحت) بدلا عن العمل معا لإنهاء الفترة الانتقالية عبر تنظيم انتخابات ديموقراطية في اقرب وقت .
مزايدة سياسية
يقول رئيس القطاع السياسي بحزب الأمة فتحي حسن عثمان: إن تصريحات الحزب الشيوعي ظلت تتسم بعدم الواقعية السياسية فعلى سبيل المثال لا الحصر ظل الحزب يرفض الشراكة مع المكون العسكري متجاهلا الدور الكبير الذي لعبته اللجنة الأمنية لنظام البشير وانحيازها للشارع واعتقالها لرأس النظام ورموز النظام المباد وحفظها لامن البلاد من الانزلاق في أتون الفوضى، فالحزب الشيوعي في نظر فتحي، يتعامل مع المكون العسكري بطريقة ساعي البريد يسلم ما عنده دون أن يقال له شكرا، وتابع:
كذلك ظل الحزب الشيوعي متجاهلا خطورة تكوينات النظام السابق العسكرية السرية من كتائب الظل ومجاهدين ودفاع شعبي وخلايا نائمة « مؤكدا في حديثه لـ(الجريدة ) أن الحزب الشيوعي يريد الجمع بين الحكومة والمعارضة والمزايدة على بقية القوى السياسية السودانية وابتزازهم بقدرة متوهمة ومزعومة بتحريك الشارع والسيطرة على لجان المقاومة، وذكر فتحي “دون الخوض في مغالطات فإن الشارع السوداني كان متجاوزا لكافة القوى السياسية السودانية في حراكه ونضاله ضد الجبروت والتسلط من جانب نظام الإنقاذ” وعليه فإن الشيوعي أدرك هذه المسائل وبالتالي فإن كافة تكتيكاته الآنية والظرفية لم يكتب لها النجاح، وهو الأمر الذي جعله يحزم حقائب الرحيل ويخرج من تحالف الحرية والتغيير وقوى الإجماع الوطني دفعة واحدة نتيجة لهذه الاسباب التي ذكرت، بجانب إدراكه المبكر بأن إتفاقية سلام جوبا من الناحية الواقعية تعني تصفير عداد الفترة الانتقالية واستبدال الحاضنة السياسية التي تمثلها (قحت) بحاضنة سياسية جديدة وعبر تحالف جديد يتشكل من داخل غرف الاجتماعات تمثل الجبهة الثورية احدى ركائزه، هذه القراءة للملعب السياسي هي التي قادت الحزب الشيوعي إلى أن يعرف أنه بات خارج معادلة تشكيل حكومة الفترة الانتقالية الثانية وعليه فاختار جانب المعارضة.
أحمد جبارة
صحيفة الجريدة