تحقيقات وتقاريراقتصاد

النظام المزدوج للمصارف.. جدل التطبيق

حالة من الجدل آثارها إخطار اتحاد المصارف السوداني، البنوك العاملة في البلاد، باختيار نظام واحد من النظامين المصرفيين إما النظام التقليدي أو النظام الإسلامي ما فتح الباب واسعا امام المختصين حول التعقيدات الكبيره التى تفرزها تلك الخطوة ومدى قبولها لاسيما أن المصارف التقليدية تعتمد نظاما ربويا فهل يصبح التحول فى المجال واقعا؟

 

التقليدي أو الاسلامي

ومؤخرا أخطر اتحاد المصارف السوداني البنوك العاملة في البلاد باختيار نظام واحد من النظامين المصرفيين؛ إما النظام التقليدي أو النظام الإسلامي، وذلك مع اقتراب سريان النظام المزدوج في قطاع المصارف.. فيما أبدت بعض البنوك خشيتها من مواجهة معوقات جراء اختيار أحد النظامين، سيما وأن المصارف اعتادت منذ عقود على النظام الإسلامي.. وذكر خطاب صادر عن اتحاد المصارف إلى البنوك أن البنك المركزي خاطب اتحاد المصارف بشأن النظام المزدوج الذي سيطبق في السودان قريبًا تماشيًا مع الإصلاحات الاقتصادية التي تنوي الحكومة الانتقالية تنفيذها في قطاع المصارف.

 

وبحسب الخطاب، فقد تم تشكيل لجنة عليا من مدراء البنوك بواسطة اللجنة التسييرية لاتحاد المصارف. وكلف الاجتماع البنوك بتقديم دراسة تفصيلية عن النظام الذي يتناسب معها سواء كان نظامًا تقليديًا أو نظاميًا إسلاميًا.

 

معوقات محتملة

وبحسب مصدر في اللجنة التسييرية لاتحاد المصارف لـ(السوداني) إن اتحاد المصارف طالب الاجتماع مدراء البنوك في البلاد، بتقديم تصورات كاملة عن المعيقات التي ستواجه البنوك حال اختيار أحد النظامين، إلى جانب وضع خطة حول كيفية تنفيذ النظام الذي يتم اختياره، وأردف: “المصارف تستعد للانتقال إلى مرحلة جديدة للتكيف مع رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب والانخراط في النظام المالي العالمي، لافتا إلى أن المصارف تدرس النظامين لاختيار واحد منهما؛ إما النظام التقليدي أو النظام الإسلامي تماشيًا مع الإصلاحات التي تنتظم قطاع البنوك.

 

امكانية النافذتين

المحلل المصرفي عثمان التوم يرى في حديثه لـ السوداني ان اتحاد المصارف لم يحدد فى خطابه إمكانية أن يكون المصرف يشتمل على نافذتين إسلامية وتقليدية ، مضيفا بأن المصارف الإسلامية العامله حاليا بذات النظام لن تكون لديها مشكلة حال اختارت العمل به باعتبار أن أنظمتها وموظفيها على درايه كامله بالعمل كما أنها لن تجد عقبات كبيرة إلا في التعاملات الخارجية مع البنوك العالمية التى تشترط وجود نوافذ تقليدية.

 

عقبات التقليدي

واعتبر التون ان المصارف التي ستختار العمل بالنظام التقليدي ستواجه عدة عقبات على رأسها انها ليست لديها أنظمة محاسبة مبنية على النظام التقليدي الذي يسمح بالسحب على المكشوف اي بأن العميل يسحب حتى فى حال كان حسابه لدى البنك المعنى صفر إذا ما كان هناك اتفاق مابين المصرف والعميل بعد تحديد فوائد على ذلك، كما أن المصارف التى تختار النظام التقليدي تحتاج أيضا إلى تدريب الموظفين على النظام التقليدي خاصة وأنهم ليست لديهم خبرة في التعامل عبر ذلك النطام إضافة إلى أنها تحتاج إيجاد وثائق حسب متطلبات النطام التقليدي في العقود والوثائق وفتح الحسابات وكثير من التعاملات ومنح القروض والودائع علاوة على أن هذا التحول أيضا يتطلب من المصارف التقليدية مراجعة كافة المستندات التي تتعامل معها للعميل حال تحولت للنظام التقليدي إلى جانب العقبات المتمثلة فى كيفية التعامل مع المصارف الإسلامية خاصة في حال انشاء المحافظ والمعاملات وأعمال المقاصة، إضافة إلى مشكلات أخرى فى التعامل مع صندوق في صندوق دعم السيولة للمصارف والذي لابد أن يستوعب المصارف العامله بالنظامين الإسلامي والتقليدي كما أن أي مصرف يختار التحول إلى النظام التقليدي سيعاني أيضا من كيفية تصفية صيغ التعاملات الإسلامية كالمرابحه والمشاركة.

 

اعادة نظر

ويشدد التوم على أهمية إعادة النظر في الكثير من الإجراءات والضوابط والقوانين من بنك السودان المركزي معتبرا ان النظام المزدوج للمصارف ليس الأمثل خاصة أن النظام العالمي للمصارف التقليدية فتح نوافذ للتعاملات الإسلامية فى كثير من المصارف حول العالم باعتبار جاذبية المنتجات الإسلامية لرغبة العملاء بغض النظر عن عقيدة البنك المعين مضيفا من الإفضل السماح للمصارف بتطبيق النظام الإسلامي والتقليدي جنبا إلى جنب بحسب الاتجاه السائد عالميا لافتا إلى أن النظام التقليدي سيواجه تحديا كبيرا في اقبال المواطنين السودانيين عليه خاصة فى التمويل بسبب الدخول فى عمليات ربوية.

 

قفزة في الظلام

ويقول المصرفي د. محمد عبد الرحمن أبو شَورة فى حديثه لـ (السوداني) ان النظام المزدوج هو قفزة في الظلام خاصة ان النظام المصرفي السوداني ضعيف وغير منتشر بالمعدل المطلوب إضافة إلى قلة عدد المتعاملين مع المصارف، وتابع: القضية ليست سعر الفائدة فقط فى التعامل مع المصارف، مضيفا إن المصرف الإسلامي هو المفترض في مشاركته بتمويل المشاريع تكون استثمارية ويتحمل كل مخاطر التمويل نظريا مقارنة مع البنوك التقليدية والتي يتحمل فيها المستثمر كل المخاطر، لافتا الى إن الأزمة الحالية في النظام العالمي في أوربا وأمريكا ارجعت البنوك العالمية لمسألة القروض بدون فائدة لتشجيع الاستثمار وتحريك الاقتصاد كما انها اعترفت بأن سعر الفائدة يعوق تحريك الاقتصاد، وقال إن في السودان هامش الربح على التمويل منخفض جدا مقارنة بمعدل التضخم المرتفع، منوها إلى أن من أهم العقبات هو أن التمويل الموجود في البنوك الذي أخذه المستثمرون عبر النظام الإسلامي وكيفية التعامل معه، مضيفا أنه في حال الحصول على تمويل من المصارف الإسلامية حتى لو تأخر العميل فى السداد لا يكون عليه سعر فائدة بعكس النظام التقليدي وكذلك تكلفة الودائع في النظام الإسلامي البنك لا يدفع فائدة لكن في التقليدى يقوم بسداد فائدة للعميل مقابل الودائع، وقال إن سعر الفائدة الذي يطبق على الديون في النظام التقليدي لايتم منحَ العميل قرضا بسعر فائدة اقل عن معدل التضخم.

 

عدم توجس

وفي سبتمبر الماضي طالب خبراء في المؤتمر الاقتصادي القومي الأول الذي عقد في الخرطوم بإدخال النظام التقليدي في التعاملات المصرفية، وعدم التوجس من ردات الفعل التي تثيرها جماعات إسلامية حول التعاملات الربوية، وذلك حتى يحصل السودان على قروض تنعش اقتصاده.

 

وظل بنك السودان منذ إنشائه عام 1960 وحتى عام 1984 (وهو العام الذي طبقت فيه القوانين الإسلامية ) يستخدم أدوات السياسة النقدية المباشرة وغير المباشرة التي تمكنه من الرقابة على الائتمان، حيث كان يتحكم في الكتلة النقدية عن طريق معدلات أسعار الفائدة وتغيير نسب الاحتياطي النقدي، والتوجيه المباشر عن طريق وضع حدود قصوى للتمويل ( سقوف ائتمانية ) وغيرها من الوسائل الرقابية. كما أن البنك يقوم بدوره الرقابي والإداري على الجهاز المصرفي وفقاً لقانونه والذي أجريت عليه عدة تعديلات لتواكب السياسة الاقتصادية والمالية للدولة.

 

يقوم بنك السودان بعد أسلمة الجهاز المصرفي بدوره في تعميق إسلام الجهاز المصرفي، حيث تم إنشاء الهيئة العليا للرقابة الشرعية للجهاز المصرفي والمؤسسات المالية بالبنك في عام 1992 وذلك لضمان تنقية العمليات المصرفية من شبهة الربا. كما أن البنك استمر في أداء دوره كبنك للحكومة المركزية وحكومات الولايات والهيئات والأجهزة الحكومية وشبه الحكومية وذلك بالمساهمة في رؤوس أموالها وحفظ إدارة حساباتها المحلية والأجنبية هذا فضلاً على انه يؤدى دوره كمقرض للحكومة ومقرض أخير للبنوك.

 

وبما أن الجهاز المصرفي قد تمت أسلمته فإن بنك السودان قد تخلص من أذونات الخزانة والسندات الحكومية التي كانت تطبق عليها أسعار الفائدة ومن ثم تم إصدار سندات مالية تتوافق مع النظام الإسلامي.

 

كما ظل بنك السودان يؤدي دوره في تعميق إسلام الجهاز المصرفي وفى وضع سياسة نقدية تواكب الموجهات العامة للدولة وبرامج الاستراتيجية القومية الشاملة. فمنذ بداية البرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي ( 1990 ــ 1993 ) اتخذ بنك السودان سياسات تمويلية بغرض تحريك جمود الاقتصاد السوداني والتي وضعت على ضوء موجهات الاهتمام بجانب العرض والاستقرار النقدي من حيث حسن كفاءة واستغلال الموارد المصرفية وذلك بتركيز التمويل في تنمية القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية مع الاستمرار في سياسات ترشيد الطلب الكلى. كذلك الاستمرار في برنامج الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة تمشياً مع المشروع التعبوي القومي للتكافل والإنتاج. فضلا عن الاستمرار في تمويل المؤسسات العامة عن طريق البنوك وعدم اللجوء لبنك السودان بغرض التمويل المباشر.بالاضافة الى السماح للبنوك التجارية بالتمويل بالنقد الأجنبي وفقاً للضوابط التي يصدرها بنك السودان.

 

تحولات اخرى

وبعد توقيع اتفاقية السلام الشامل في 2005 تم وضع سياسات بنك السودان المركزي في إطار السياسات الاقتصادية الكلية وبالتنسيق والتشاور مع وزارة المالية والجهات المعنية ومراعيةً للمبادئ الأساسية لاتفاقية السلام الشامل التي وردت في البند (14) من بروتوكول قسمة الثروة فيما يخص السياسة النقدية والمصرفية والعملة والإقراض. والتي نصت على تطبيق النظام المصرفي المزدوج ( إسلامي في الشمال وتقليدي في الجنوب). وإنشاء بنك جنوب السودان كفرع للبنك المركزي ليدير النافذة التقليدية في الجنوب، وإصدار سياسة نقدية واحدة من بنك السودان المركزي تكون ملزمة لكل المؤسسات المصرفية والمالية، كذلك استقلالية البنك المركزي في تنفيذ سياسته النقدية.

مسئولية البنك المركزي في المحافظة على استقرار الأسعار والمحافظة على استقرار سعر الصرف، وكفاءة النظام المصرفي وإصدار العملة.

 

وفي 9 يوليو 2011 وبعد انفصال جنوب السودان أصبح بنك جنوب السودان هو البنك المركزي لدولة جنوب السودان يتبع له كل فروع بنك السودان المركزي في الولايات الجنوبية سابقا وتم تجميد كل ما يختص بالبند (14) من بروتوكول قسمة الثروة المتعلقة بالسياسة النقدية والمصرفية والعملة والإقراض كما تم تعليق العمل بالفصل الخاص بسياسات النظام المصرفي التقليدي بجنوب السودان الواردة بمنشور سياسات بنك السودان المركزي و تجميد العمل بكل المنشورات المصرفية الصادرة بموجبها وتم تعديل قانون بنك السودان المركزي في سنة 2012م.

تقرير:  الطيب علي

صحيفة السوداني

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى