تحقيقات وتقارير

قبيل الإعلان الحكومي..التمكين السياسي بعد التغيير من يمضي على خطى النظام السابق؟

لا تزال المناكفات والتجاذبات السياسية حاضرة بقوة داخل أروقة المشهد السياسي بعد التحول الديمقراطي الذي شهدته البلاد في مختلف العديد من القضايا السياسية التي تتباين الرؤى والأفكار حولها، إلا أن الوثيقة الدستورية الموقعة بين أطراف الحكم الانتقالي بالبلاد تظل هي المحك الحقيقي لإنهاء أي صراع، وفقاً لما تم تضمينه من بنود قد تم الاتفاق عليها، ويظل إصلاح مؤسسات الخدمة المدنية يشكل هاجساً كبيراً بعد أن درج نظام المخلوع البشير على تمكين منسوبيه وتعيين الأفراد بالولاء للحزب البائد، في الأثناء أطلقت قيادات الجبهة الثورية تصريحات نارية وأعربت عن رفضها لتمكين القوى السياسية لمنسوبيها.

 

مع اقتراب المشاورات النهائية عقب اجتماعات عاصفة شهدتها الأيام الماضية مكونات السلطة الانتقالية داخل الغرف المغلقة من أجل إعلان التشكيل الحكومي المرتقب، شن رئيس حركة العدل والمساواة وعضو مجلس شركاء الفترة الانتقالية جبريل إبراهيم هجوماً عنيفاً على الأحزاب السياسية قبل يومين، متهماً إياها بتمكين أفرادها داخل المؤسسات الحكومية والأجهزة التنفيذية، واعتبره أمراً غير مقبولاً دستورياً ولا قانونياً .

 

وكشف جبريل خلال مؤتمر صحفي أنهم قطعوا شوطاً كبيراً، من أجل إكمال مؤسسات السلطة الانتقالية، رئيس حركة العدل والمساواة العائد من الحدود الأثيوبية في زيارته على خلفية الهجمات المتكررة من الجانب الأثيوبي، أراد أن يبعث برسالة إلى القوى السياسية والحاضنة السياسية الحرية والتغيير للابتعاد عن نهج الحزب المحلول الذي ظل يعمل على تمكين منسوبيه في مؤسسات الخدمة المدنية.

 

تمكين آخر
وحول مواقفه السابقة من لجنة إزالة التمكين لطالما أعرب جبريل عن رفضه لعمل لجنة التمكين بهذه الطريقة ودعا إلى الإسراع في قيام مفوضية مكافحة الفساد التي نصت عليها الوثيقة الدستورية، من أجل جمع المعلومات وتقديمها للقضاء العادل، ولم يكن جبريل وحده حيث أعرب رئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر عن سخطه خلال توقيع مذكرة التفاهم مع حزب المؤتمر السوداني، الذي انتقد بدوره التوظيف بوزارة الخارجية وقال إذا كان هنالك إزالة تمكين فهنالك أيضاً تمكين جديد، مشدداً على ضرورة مراجعة هذه التعيينات، وأوضح أن اتفاق جوبا أقر إزالة الخلل في وزارة الخارجية.

 

تصفير العداد
ومن جهته تعهد رئيس مسار الوسط والقيادي بالجبهة الثورية، التوم هجو، بإنهاء التمكين البديل الذي سنته قوى الحرية والتغيير داخل مؤسسات الدولة. و أوضح هجو في تصريح سابق له، أن تصفير العداد يقصد به نهاية مرحلة فاشلة سابقة وانطلاقة مرحلة جديدة بتوقيع اتفاقية السلام الشامل لإصلاح الوضع الحالي المؤسف، وأضاف ”نحن حريصون على المشروع السوداني و لن نبقى )تمامة جرتق( في الحكومة وأننا لم نأت من أجل المشاركة في السلطة.

 

وأكد هجو أنهم سيراجعون التعيينات الجديدة التي تمت في الدولة ومؤسساتها بعد الثورة لمحاربة التمكين العكسي وأنهم سيتبعون معيار الكفاءة في تولي المناصب، و أعلن أنهم لم يأتوا للانتقام من أحد، ويبدو واضحاً أن أطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا عازمة على محاربة الفساد والمحسوبية في ظل الكثير من التحديات التي تمر بها الفترة الانتقالية.

صراع مسبق
هنالك من قلل من تلك التصريحات لجهة أن جميع الأحزاب السياسية تسعى لتمكين منسوبيها، واعتبر انه لا يعد مجرد حديثاً مبهماً، وهذا ما مضى إليه المحلل السياسي الرشيد ابوشامة في حديثه ل)الجريدة( وأكد أنه ليس بذات الخطورة ووصفه بالأمر الطبيعي، وأشار إلى أن جميع الأحزاب تسعى لتمكين منسوبيها وطالب الحكومة الانتقالية بأن تكون يقظة لكل ما يدور داخل مؤسسات الخدمة العامة، مشيراً إلى أن طبيعة الأحزاب التمكين ، ودعا أن لا يكون ذلك على حساب الصالح العام،

 

وأوضح أنه إذا كانت هنالك جريمة سيتم التحقيق فيها فوراً، ولفت إلى أن جميع مكونات الجبهة الثورية كانت أعلنت أنها ستتحول إلى أحزاب سياسية، وذكر ابوشامة أن جميع القوى السياسية تسعى لتمكين منسوبيها، مطالباً بأن تتخذ الجهات المعنية جميع التحوطات اللازمة، ونوه إلى أن تلك التصريحات تظل محل للنفي سواء من وزارة الخارجية أو لجنة إزالة التمكين، وعن ما إذا كان الجبهة الثورية تحاول تحذير أحزاب الحرية والتغيير،رأى ابوشامة ربما يكون ذلك الحديث صحيحاً، ودلل على ذلك بتصريحات القيادي بالجبهة الثورية مني اركو مناوى عندما قال لا وجود للحرية وتغيير بعد اليوم، وأن مجلس شركاء الفترة الانتقالية حل محلها، بجانب الصراعات السابقة للحرية والتغيير حول المناصب، ومضى ابو شامة في حديثه قائلاً : ربما يعد ذلك خوفاً ورهبة من الأحزاب السياسية التي تمسك بالمناصب والمؤسسات، وأنها تخشى أن تنفرد بالسلطة وحدها وتركها وحيدة.

 

مزايدة سياسية
وفي ذات السياق يرى المحلل السياسي بشير الشريف أنه منذ البدء كان هنالك خلل كبير في إصلاح الخدمة المدنية عقب الثورة، وشدد على ضرورة أن تكون هنالك خطوات جادة ووضع معايير لتولي الخدمة العامة منها الكفاءة ، وأشار الشريف في حديثه أن الأجهزة التنفيذية بصورة عامة تعرضت للتشوهات خلال العهد البائد، وأكد أنه من غير المقبول استمرار هذه السياسات على الرغم من أن الوثيقة الدستورية نصت على إصلاح المؤسسات العامة، وذكر أنه لا يوجد أي اضطرار لهذه التصريحات من قيادات الجبهة الثورية، وطالب بأن تكون الخدمة العامة عن طريق معيار الكفاءة ، ونوه إلى وجود بعض المحاولات للسير على خطى النظام السابق، ودعا إلى ضرورة وضع أطر قانونية لذلك الأمر موضحاً أن اتفاق السلام كان قد أقر قسمة السلطة، وقلل الشريف من هذه الخطوة، واعتبر أنها خاطئة وأضاف الجميع  وقع عليهم ظلم تاريخي وأكد أن هذه التصريحات تأتي في سياق المطالبة بحقوقهم، و تابع الشريف: يجب أن التكون الخدمة المدنية مجالاً للمزايدة السياسية، وزاد: الأحزاب بعد التغيير باتت تتسابق لملء الفراغات الشاغرة التي تركها نظام المخلوع ووصف ذلك النهج بغير السليم واعتبر أنه إعادة إنتاج لسلوك النظام السابق.

  عثمان الطاهر

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى