مزمل ابوالقاسم

مزمل أبو القاسم يكتب: دولة القانون

* لن ينصلح حال البلاد، ولن تنهض من عثرتها، لتفارق كبوتها، وتسلك دروب الاستقرار والتطور إلا بتشييد أركان دولة القانون، كي يصبح العدل أساس المُلك، وتختفي كل مظاهر الظلم والتطفيف وازدراء قواعد العدالة.
* سعت ثورة ديسمبر إلى ترسيخ تلك المبادئ بهتافها الخالد والأشهر.. (حرية سلام وعدالة)، استشعاراً لأهمية المبادئ الثلاثة، إذ لا قيمة لحياة الإنسان بلا حرية، ولا طمأنينة للناس بلا سلام، ولا نماء ولا استقرار للدولة من دون عدالة، بحيث تتساوى المؤسسات والأفراد في الخضوع إلى حكم القانون.
* بغياب أركان العدالة يسود قانون الغاب، ويتم الاستنصار بسلطان الأهل والقبيلة، سيما عندما يفقد المتهمون حقهم الدستوري في المحاكمة العادلة، ويتم تغييب وهدم منصات العدالة، بالتدخل في أعمال النيابة، وانتهاك اختصاصات القضاء، مع أن الوثيقة الدستورية نصّت على استقلاليتهما التامة عن مجلس السيادة والمجلس التشريعي والسلطة التنفيذية، وحرّمت التدخل في شئونهما، بنصوصٍ قاطعة.
* خلال الأيام الماضية تفشت عصبية القبيلة، واشتعل أوار الفتنة، وتم اقتحام مقرات لجنة التفكيك في بعض ولايات البلاد، للاحتجاج على قراراتٍ اتخذتها اللجنة، ورأى فيها المحتجون مُفارقةً لقواعد العدالة، وانتهاكاً لحقوق المتهمين.
* لم تتأخر اللجنة في السعي إلى حماية مقراتها ومنسوبيها من الهجمة العكسية، باستدعاء سطوة القوات النظامية، للتقوي بها، وردع المحتجين، ولو عدلت ووفرت للمتهمين حقوقهم التي نصت عليها الوثيقة الدستورية (في المحاكمة العادلة والسماع العادل والمحاكمة الحضورية والدفاع عن النفس) لأمنت على نفسها من التعدي، ولما اضطرت إلى استدعاء الشرطة كي توفر لها الحماية والسند في مواجهة الغضبة الضارية.
* أشرنا إلى وثيقة الحقوق والحريات الواردة في الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية باعتبارها الدستور الأعلى للبلاد، والقانون الواجب التطبيق (Applicable Law) خلال الفترة الانتقالية، ومما يحز في النفس أن القائمين على أمر البلاد أوسعوا تلك الوثيقة تمزيقاً وانتهاكاً وتجاوزاً وعسفاً، وداسوا على نصوصها بأحذيتهم الغليظة، وما دروا أنهم تعدوا أولاً على أهم وأقيم شعارات الثورة ومقاصدها النبيلة، وعرضوا أمن البلاد ونسيجها الاجتماعي إلى خطرٍ عظيم.
* إن السلطة التي لا تصنع من نفسها قدوةً وأنموذجاً لمواطنيها باحترامها للقانون لا تحوز شرعيةً كافيةً تخولها مطالبة مواطنيها باحترام القانون.
* مظاهر عدم احترام القانون لا تقتصر على ما تفعله لجنة تفكيك التمكين وحدها، بل تمتد إلى التواطؤ المُهين بين مكونات السلطة الانتقالية على تغييب المحكمة الدستورية عمداً، لمنع المتظلمين من اللجوء إليها، وتوفير الحماية لقوانين معيبة، وقرارات ظالمة، تفارق أبسط مقومات العدالة، وتنتهك حقوق المتهمين التي أشرنا إليها عاليه.
* لم يسلم قانون تفكيك التمكين نفسه من الانتهاك، بعدم البت في الطعون التي تراصت بالآلاف أمام لجنة الاستئناف التي نص عليها القانون المثير للجدل، مثلما لم يتم تكوين اللجنة نفسها حتى اللحظة.
* من التجاوزات المُهينة للوثيقة الدستورية تعمد تعطيل المجلس التشريعي، الذي تتضح مهامه في مسماه، وعدم تكوين المجلس الأعلى للقضاء، والمجلس الأعلى للنيابة، وإهمال إنشاء المفوضيات الواردة في الوثيقة الدستورية، وعلى رأسها مفوضية مكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة، ومفوضية الإصلاح القانوني، ومفوضية إصلاح الخدمة المدنية، ومفوضية العدالة الانتقالية، ومفوضية حقوق الإنسان وغيرها.
* وضح أن تغييب تلك المؤسسات والهياكل العدلية متعمدٌ ومقصود، لتمكين الحاكمين من سن التشريعات التي تروق لهم، وتعديل القوانين وتنفيذها بمعزل عن (رجَّة) المجلس التشريعي، علاوةً على التشفي في الخصوم بمعاقبتهم وحرمانهم من الطعن والاستئناف.
* اللوم إزاء ذلك الوضع المعيب لا يقع على لجنة التفكيك وحدها، بقدر ما يرتمي بدءاً على عاتق الحاضنة السياسية للسلطة الانتقالية، وعلى الحكومة نفسها بعد أن ارتضت ذلك الوضع المعيب، وحاولت تقنينه على جثة العدالة.
* لا تنهض الدول من عثراتها، ولا يستقيم ميسمها، ولا تزول غبائنها، إلا بسيادة حكم القانون، وبخضوع الكافة له، وبتقديس المسئولين لنصوصه، ومنع تطويعها لخدمة الأهواء، والاقتصاص من الخصوم.
* ينبغي للقانون أن يعلو ولا يُعلى عليه في كل الأوقات، ليسري على الكافة، وباحترامه ينصلح الحال، وبازدرائه يسوء المآل، وتضيع قيم العدالة، قبل الحقوق والأموال.
* لن تأمن السلطة الحاكمة على نفسها، ولن تحوز قراراتها وأحكامها الاحترام اللازم إلا إذا احتكمت هي نفسها إلى القانون، وطبقته على ذاتها قبل أن تلزم به غيرها، وبخلاف ذلك لن يجديها الاستنصار بسلطان العسكر، ولن تنجيها سطوة القوات النظامية.
* (أعدلوا هو أقرب إلى التقوى)، ولو أجدت البندقية غيركم لما آلت السلطة إليكم، فاتعظوا بسابقيكم، قبل أن يصيبكم مصيرهم، ولات ساعة مندم.

 

 

 

صحيفة اليوم التالي

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى