تحقيقات وتقاريرأبرز العناوين

بعد تأييده من المحكمة العليا.. هل سينفذ حكم الإعدام بحق قتلة المعلم أحمد الخير؟

بعد أكثر من عام على صدور حكم بإعدام 29 من منسوبي جهاز الأمن والمخابرات السوداني أدينوا بتعذيب وقتل المعلم أحمد الخير في منطقة خشم القربة شرقي البلاد، أيّدت المحكمة العليا في الخرطوم يوم الأحد القرار، ليترقب السودانيون موعد تنفيذ الحكم الذي سيعد سابقة نادرة في القضاء السوداني كونه طال منتسبين لجهازٍ أمني حساس.

 

 

ولا تزال هناك فرصة أمام المدانين في القضية للطعن أمام المحكمة الدستورية التي انتهت فترة ولايتها ولم تشكّل مجددا، وقال خبراء قانونيون إنه يتعين الانتظار لحين تشكيل المحكمة حتى يصبح الحكم نهائيا، في حين شكك آخرون في ذلك، معتبرين أن المحكمة الدستورية لا تعدُّ مرحلة من مراحل التقاضي، وقال عضو بفريق الاتهام للجزيرة نت إن المحكمة الدستورية لا تنظر في جوهر الحكم، إنما تتأكد من أنه لا ينتهك حقا دستوريا للأطراف.

 

 

وتحولت عملية اغتيال المعلم أحمد الخير -التي حدثت بطريقة بشعة في مطلع فبراير 2019- إلى قضية رأي عام، ولاقت متابعة واهتماما عاليي المستوى على الصعيدين الشعبي والقانوني، وذلك بعد القبض على الجناة من عناصر جهاز الأمن الذي وُصف بأنه كان يقوم بعمليات بطش وترهيب على نطاق واسع خلال الاحتجاجات التي مهدت للإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير في أبريل 2019.

 

ولقي الخير حتفه في مركز اعتقال تابع للجهاز الأمني بمنطقة “خشم القربة” التابعة لولاية كسلا، بعد اقتياده من منزله بتهمة تحريضه المحتجين على الخروج ضد النظام الحاكم وقتها، ومكث في معتقل الجهاز يومين قبل الإعلان عن وفاته بشكل رسمي، حيث قالت سلطات الشرطة إن سبب الوفاة هو التعرض لتسمم غذائي.

 

لكنّ ذوي الخير بعد معاينتهم الجثمان شكّكوا بقوة في الرواية الرسمية، مؤكّدين أن الشاب الثلاثيني تعرض لتعذيب واضح قاد إلى مصرعه، ولم تفلح وقتها تصريحات جهاز الأمن بتأكيد أن الخير تعرض إلى وعكة لتمرير الحادثة. وقد شكلت -تحت الضغط الشعبي- لجنة تحقيق باشرت مهامها من كسلا، حيث كانت القوة الأمنية قد نقلت المعلم القتيل وعددًا من المعتقلين إلى هناك.

 

وفي السابع من فبراير الماضي -أي بعد نحو أسبوع من الجريمة- قالت لجنة تحقيق مختصة إن النيابة العامة تسلمت التقرير النهائي حول الحادثة، وقد أثبت “وجود إصابات قوية في شكل كدمات منتشرة على الظهر وخلفية العضدين والكلية اليمنى والفخذ الأيمن ومنتصف الساقين، نتجت بسبب الإصابة بآلة حادة أو آلة صلبة، نتج عنها مضاعفات قوية أدت إلى الوفاة”، وأفادت كذلك بأن نتيجة المعمل الجنائي لم تُثبت وجود سموم أو مخدرات.

 

وبعد صدور التقرير، خاطبت النيابة العامة مدير جهاز الأمن في ولاية كسلا لمدّه بأسماء الذين حققوا مع أحمد الخير، والذين أحضروه إلى الولاية، تمهيدا لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

 

أحد المتظاهرين يحمل صورة أحمد الخير خارج المحكمة في أم درمان

تمسك بالقصاص

 

في الثلاثين من يونيو 2019 وجهت النيابة اتهامات إلى 41 من الضباط والأفراد من جهاز الأمن والمخابرات الوطني تحت المواد 21 و25 و26 و130 (القتل العمد، والتحريض والاشتراك الجنائي، والمعاونة في ارتكاب جريمة) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، وبدأت جلسات محاكمة علنية للمتهمين وسط متابعة واحتشاد كبير أمام المحكمة للمتضامنين مع المعلم القتيل وأسرته، واستمرت الجلسات 6 أشهر، ثم أصدر القاضي يوم 30 ديسمبر 2019 حكمه بالإعدام على 29 من منسوبي الجهاز الأمني بموجب المادتين 21 (الاشتراك الجنائي) و130 (القتل العمد) من القانون الجنائي السوداني، وتصل فيها العقوبة حد الإعدام شنقا حتى الموت.

وبرأ القاضي 7 من عناصر القوة الأمنية، كما حكم بالسجن على اثنين منهم مدة 3 سنوات.

 

رغم محاولات جهاز المخابرات ممارسة ضغوط على أسرة الخير -عبر وسطاء عديدين- تمسّك أشقاؤه بالقصاص من الجناة، ليستأنف محامو الدفاع الحكم لدى المحكمة العليا التي أصدرت فيما بعد قرارا بتأييد الإعدام.

 

ويقول سعد الخير شقيق المعلم القتيل للجزيرة نت إن قرار المحكمة العليا بتأييد الأحكام ضد عناصر الجهاز كان متوقعًا، لكنه أسعدهم لأنه صدر بعد وقت طويل من الحكم الأساسي لأكثر من عام ونصف العام، وبعد أن استنفد المدانون حقهم في التقاضي بالاستئناف لدى المحكمة العليا.

ويضيف “نحن نريد تحقيق العدالة ومتمسكون بحقنا في تطبيق القانون، خاصة وأن القتل كان تحت التعذيب، وتهمُّنا كذلك قيم الإنسانية”.

ولا يتوقع سعد الخير أن يستغرق تنفيذ أحكام الإعدام وقتًا طويلا لانتفاء مراحل التقاضي القانوني، حيث يملك الدفاع -حسب الخير- حق مراجعة القرار فقط، والطعن فيه لدى المحكمة الدستورية، والتي قال عنها الخير إنها لن تنظر في لبّ الحكم، إنما تقرر ما إذا كان مخالفًا للدستور. وقد أبدى ثقته في أن العدالة ستأخذ مجراها لأن الحكم تم تثبيته “بأركان قوية”.

 

الشارع السوداني ضغط بقوة من أجل إصدار أحكام رادعة بحق قتلة أحمد الخير (رويترز)

غياب المحكمة الدستورية

ولم تشكل محكمة دستورية جديدة منذ انتهاء فترتها يوم 12 يناير من العام الماضي، وتنص الوثيقة الدستورية التي تُسيّر الفترة الانتقالية على تشكيلها بواسطة مجلس القضاء العالي، الذي لم تتم إجازة قانونه حتى الآن من قِبل المجلس التشريعي المؤقّت (المكون من المجلس السيادي ومجلس الوزراء).

 

وسبق أن صرّحت رئيسة القضاء السوداني نعمات عبد الله بأن عدم تشكيل محكمة دستورية جديدة يعطل تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق عدد من منسوبي النظام السابق المحكومين في قضايا قتل وتعذيب، ودعت إلى الضغط في اتجاه التعجيل بإجازة قانون “القضاء العالي”، لكنّ قانونيين قالوا إن المحكمة الدستورية ليست درجة من درجات التقاضي، وإن أيّ حكم يصدر من القضاء ويصل إلى دائرة المراجعة النهائية يكون نافذ التطبيق من دون الرجوع إلى المحكمة الدستورية.

 

ويقلل عضو فريق الاتهام المحامي أبو بكر عبد الرازق من فرص نقض قرار المحكمة العليا بصدور حكم جديد من أي جهة أخرى، بما في ذلك المحكمة الدستورية، لكنه يلفت إلى أن الأخيرة لا تنظر في عين الحكم، إنما تؤكد فقط أن الأحكام في جميع مراحلها لم تنتهك حقًا دستوريًا للأطراف.

 

ومع ذلك يشير المحامي في حديثه للجزيرة نت إلى أن الحق القانوني -بطلب مراجعة القرار لدى المحكمة العليا التي ستُشكِّل حينها دائرةً مختصة جديدة من 5 قضاة، 3 منهم جدد لم يطلعوا على الملف من قبل- مكفول للدفاع عن المتهمين.

 

ويتابع “بموجب المادة 88 من حق المحكمة العليا أن تفحص الطلب، لكنه لا يعد مرحلة تقاض جديدة”. ويشير إلى أن كل الشواهد والسوابق تمضي باتجاه صعوبة إصدار قرار جديد.

 

ويؤكد عبد الرازق أن أهالي المتهمين ظلوا في حركة دائبة طوال الفترة الماضية للتوسط لدى أسرة الخير من أجل التراجع عن خيار القصاص، وأنّ هيئة الاتهام أبلغتهم أن القرار النهائي تملكه الأسرة التي ترفض التنازل عن تطبيق الحكم.

 

سودانية تعبّر عن فرحها بالحكم بإعدام المدانين قي قضية المعلم أحمد

تفاعل كبير

 

ولاقى قرار المحكمة العليا تأييد الإعدام لمنسوبي جهاز الأمن تفاعلًا واسعا في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انصبت أغلب التدوينات على إعلاء قيمة الاحتكام للقانون والرضى بأحكام القضاء.

 

وكتب عمر عثمان معلقا “خطوة كبيرة في طريق العدالة، وهي تسير سيرها الطبيعي المتدرج على 5 مراحل، هي المراحل القانونية للنظر في أي قضية قتل”.

 

ورأى عمر أرباب أن قرار المحكمة العليا يسكت المتشككين في العدالة الذين سخروا من تطبيقها عند بدء المحكمة، في حين علّق محمد الأمين بالقول إن القرار يعدّ بداية لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب بالقانون.

الخرطوم : مزدلفة عثمان

الجزيرة نت

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى