تحقيقات وتقارير

قتل على يد المعارضة إدريس ديبي.. رحيل على وقع الرصاص والدم

على نحو متسارع ارتفعت وتيرة الأحداث في الجارة تشاد التي تشهد سباقاً انتخابياً وآخراً حربياً في شمالها بين قوات الحكومة التشادية التي كان يقودها الرئيس إدريس ديبي بنفسه وقوات الجنرال محمد مهدي علي زعيم جبهة التغيير والوفاق المتمردة على سلطات إدريس ديبي ، ومعارك بين الطرفين منذ أكثر من 72 ساعة انتهت بمقتل ديبي.

 

الفوز والموت
وشهدت تشاد انتخابات عامة منذ أسبوع وأظهرت نتائج الانتخابات فوز إدريس ديبي بولاية سادسة بعد فوزه بنسبة 79 % من أصوات الناخبين في تشاد، وكان من المتوقع أن يخاطب ديبي جماهير شعبه وأنصار الجبهة الوطنية للإنقاذ بعد فوزه بولاية سادسة وأعلن أن ديبي سيلقي خاطباً بمناسبة فوزه حدد له الإثنين الماضي، بيد أن ديبي لم يحضر للخطاب بصورة غامضة وسط سريان أنباء بأنه أصيب في تخوم شمال تشاد بعد وجوده في الصفوف الأمامية للمعركة مع مجموعة التغيير والوفاق المتمردة.

وظل وضع ديبي الصحي في حالة تكتم منذ صباح الإثنين حتى منتصف نهار الأربعاء حيث أعلنت القوات المسلحة التشادية عن وفاته دون الإفصاح عن كيفية موته؟؟ أو أين قتل ومن قتل معه؟

وأذاعت القوات المسلحة بياناً مقتضباَ قالت فيه إن إدريس ديبي فارق الحياة الدنيا وأن السلطة أنتقلت لنجله محمد “كاكا” إدريس ديبي مؤقتاً ولمدة 18 شهراً وتكوين مجلس عسكري انتقالي لتصريف الأمور بالبلاد مع إعلان حالة الطوارئ وإغلاق المعابر البرية والبحرية والجوية .

 

سيناريوهات الرصاص والدم
منذ الإثنين تواترت أنباء متفرقة أن حركة التغيير والوفاق المتمردة بقيادة مهدي علي تزحف نحو العاصمة إنجمينا من أجل الإطاحة بإدريس ديبي ورفض نتائج الانتخابات ، ويأتي تحرك جبهة الوفاق مسنوداً بتظاهرات في عدة مناطق تشادية رفعت شعار “تمرق بس” تنادي برحيل إدريس ديبي، إزاء التقدم لحركة التغيير والوفاق نحو العاصمة إنجمينا.

وسرت أنباء مؤكدة عن أن إدريس ديبي ارتدى زي الحرب ويمم وجهه نحو الصفوف الأمامية للمعركة التي تدور رحاها في مدينة نوكو كانم وهي منطقة تقع في وسط غرب تشاد، وتقول المصادر إن إدريس ديبي أصيب في هذه المنطقة وتم إجلاؤه بمروحية عسكرية إلى إنجمينا يوم الإثنين ليعلن الجيش التشادي وفاته نهار الثلاثاء مع الإشارة إلى إنه أصيب في المعارك الحربية التي دارت في منطقة كانم التشادية .

سيناريو آخر
وعقابيل رحيل إدريس ديبي سرت بعض خيوط الدخان التي تشكك في رواية مقتله في ميدان المعركة، وغرد مدونون تشاديون بأن ديبي لم يظهر في ميدان المعركة مطلقاً ولم تظهر أي صورة وجوده في منطقة كانم التي تشهد العمليات الحربية فضلاً عن أن الجيش التشادي حقق انتصارات كبيرة في معارك كانم ولم يخسر لدرجة أن يصاب الرئيس ديبي..

مراقبون ألمحوا إلى احتمالية وجود سيناريو آخر أودى بحياة ديبي وصعد بنجله لسدة الحكم في تشاد.

ويقول المختص في شؤون غرب إفريقيا د. محمد تورشين لـ”السوداني” إن عملية قتل إدريس ديبي خطط له من قبل قوى دولية قامت بتحريك المجموعات المسلحة التشادية الموجود في ليبيا ودعمت مجموعة الوفاق والتغيير للإطاحة بإدريس ديبي، وأضاف أنه لا يستبعد أن يكون تم اغتيال ديبي بطريقة مختلف عن التي ذكرها الجيش التشادي، مشدداً على أن ما حدث لإدريس ديبي خطط له بعناية فائقة من القوى الدولية، رافضاً في الوقت ذاته احتمالات انزلاق تشاد في مستنقع العنف والدم لجهة وجود قوى إقيلمية تتحكم في المشهد بتشاد، متوقعاً حدوث تسوية سياسية في تشاد تشمل جميع أطراف المعارضة وبوجود الجيش التشادي .

 

من هو محمد كاكا؟
محمد كاكا أو محمد إدريس ديبي هو أحد أنجال الرئيس الراحل ديبي، لكنه يعد الأقرب لوالده في السنوات الماضية رغم وجود أشقاء له أكبر سناً منه ، محمد كاكا البالغ من العمر 29 عاماً يتقلد منصب قائد الحرس الجمهوري بدولة تشاد

وظل يمثل ساعداً أيمناً لوالده طوال السنوات الماضية..
حالياً نصب رئيساً مؤقتاً لتشاد مع وجود اعتراضات على عدم شرعية تنصيبه، سيما وأن الدستور التشادي ينص على أن رئاسة البلاد تنتقل لرئيس البرلمان في حال غياب الرئيس بالموت أو أي ظرف آخر ولمدة ستين يومياً..

كاكا كون مجلساً عسكرياً من أربعة عشر جنرالاً وهم محمد إدريس ديبي اتنو رئيساً، الجنرال جاما دو ماجوز وزيراً للدفاع ونائباً أول ، الجنرال بشارة عيسى جادة نائباً ثانياً ، الجنرال بحي اوكي دقاس عضواً ، الجنرال محمد إسماعيل شابيو عضواً والجنرال سيلمان أبكر عضواً والجنرال طاهر ارده عضواً والجنرال ازيم برناردو عضواً والجنرال أمين أحمد إدريس عضواً بالإضافة لعضوية كل من جمان مختار وصالح حلقي وابكر عبدالكريم واحمد يوسف محمد هتنو وقيلة هميسي.

تشاد ما بعد ديبي
ثمة مخاوف من انزلاق تشاد في مستنقع الفوضى بعد رحيل الجنرال إدريس ديبي عن سد الحكم مقتولاً ، سيما وأن نجله محمد كاكا لم ينل تأهيلاً كافياً لحكم تشاد التي تعاني من تعقيدات جمة، إلا أن مصدراً دبلوماسياً سودانياً قلل من مخاوف حدوث فوضى بتشاد، وقال لـ(السوداني) إن المجلس العسكري الجديد سينجح في كسر طوق العزل الذي ضربته المعارضة التشادية السياسية والعسكرية، وأضاف: دعوة المجلس العسكري للحوار دعوة ذكية وتضع المعارضة التشادية أمام مأزق.

 

فيما أكد مصدر لـ(السوداني) أن تشاد ستمضي في سياسة محاربة الإرهاب سيما وأن محمد ديبي عرف من قبل بقيادة معارك ضد الإرهابين في مالي والمناطق الحدودية، وأضاف: المعارضة التشادية أمامها فرصة مواتية للحوار من أجل تحقيق نسبة مريحة يجعلها في موقف اخلاقي مريح أمام شعبها .

 

تأثير على السودان
يتخوف البعض من انتقال المعارك بين الأطراف التشادية إلى حدود السودان سيما إقليم دارفور المضطرب هذه الأيام، هذه الفرضية ذهب إليها الخبير العسكري محمد بشير سليمان وقال في حديثه لـ(السوداني) حالة الاستقرار التي تكاد أن تكون معدومة في دارفور ستزداد سواء حال انتقال الصراع إلى الحدود بين البلدين فضلاً عن بروز قضية اللجوء حال استمرار المعارك الحربية بين الجانبين.

 

وأكد محمد بشير سليمان أن عدم الاستقرار في تشاد سيكون السودان أكثر المتضريين منه وان ما يجري من معارك سيؤدي لزيادة انتشار السلاح في مناطق التوترات الأمنية وافشال مخطط الحكومة السودانية في جمع السلاح..
فيما قال الخبير في الشؤون الدارفورية والقرن الإفريقي د. عبدالله آدم خاطر في حديثه لـ(السوداني)إن إدريس ديبي بعد رحيله سيتغير المشهد في تشاد وربما يلقي بظلال سالبة على السودان خاصة في ظل الاضطرابات الأمنية التي يشهده إقليم دارفور حالياً .

 

ماذا قال حميدتي وبماذا غرد عرمان ؟
بعد سويعات من رحيل إدريس ديبي قال نائب رئيس مجلس السيادة في السودان الفريق أول محمد حمدان حميدتي بعد ترحمه عليه إن إدريس ديبي اتنو لعب دوراً كبيراً في تعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين إلى جانب إسهامه في خدمة قضايا القارة الإفريقي وتوثيق أطر التعاون بين الشعوب .

في السياق وصف نائب رئيس الحركة الشعبية شمال ياسر عرمان الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي بالشجاع والفارس، وقال عرمان إن ديبي حافظ على وحدة تشاد طوال فترة حكمه الماضية وأشار إلى أن ديبي كان محباً للسودان وشعبه ونوه لدور ديبي في محاربة الإرهاب في غرب إفريقيا، وقال إن رحيل ديبي سيكون له آثار عميقة على السودان مشدداً على أن ديبي صاحب خبرة ودربة في موازنات الشأن الإقليمي وأشاد عرمان بأدوار ديبي في دعم عملية السلام السوداني وختم عرمان تغريدة الاسفيرية بأن ديبي دعاه لزيارة تشاد أثناء لقاء جمع بينهما على شرف توقيع اتفاق السلام بجوبا .

السودانيون بإنجمينا

في السياق حاولت (السوداني) الاطمئنان على سلامة السودانيين بالعاصمة التشادية إنجمينا بعد إعلان وفاة ديبي، إلا أن القائم بالأعمال السفير الصادق الفاضل لم يرد على الاستفسارات، وكان الفاضل قد أكد في وقت سابق لـ(السوداني)أن المواطنين السودانيين بخير وأنه على تواصل مع الخارجية السودانية وأنهم مستعدون لأي طارئ حال تأزم الأوضاع الأمنية بتشاد، فيما قال شاهد عيان لـ”السوداني” إن إنجمينا تشهد استقراراً أمنياً ومع انتشار طفيف للمدرعات في محيط القصر الجمهوري بتشاد .

 

فلاش باك
ولد إدريس ديبي في العام 1952م ، ينحدر من أبرز المكونات الديمغرافية بتشاد “الزغاوة” تلقى تدريباً عسكرياً بدولة فرنسا ثم عاد موالياً للجيش التشادي ، دخل في صراعات مع الرئيس التشادي السابق حسن حبري بعد ان اتهم بالتخطيط للانقلاب على حبري بعدها غادر تشاد صوب ليبيا والسودان وكون جبهة الإنقاذ الوطنية تمكن ديبي من الاطاحة بحسن حبري عبر عمليات عسكرية مسلحة انطلقت من حدود ليبيا وتحديداً في العام 1990م ، ظل ديبي حاكماً لتشاد منذ ذلك الحين وحتى مقتله أمس .

 

  عبدالرؤوف طه

صحيفة السوداني

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى