ناهد قرناص

ناهد قرناص تكتب: يجوا عايدين

اطفال صغار التقيتهم في الشارع وانا في طريقي للعمل ..اليوم الاخير قبل الاجازة الرسمية للدولة ..كان احدهم يقول متفاخرا ..(اخوي التبير (الكبير) داي (جايي) بعدين بالليل من السعودية ..دايب (جايب )لينا لعبات كتيرة ) ..رد الثاني بأنهم سيسافرون لقضاء العيد مع حبوبة ..صرخ آخر ..بانهم سيذهبون لبيت جده ..الحوار تركته ساخنا ..لكن الابتسامة لم تغادر وجهي طوال اليوم ..رأيت صورة للبصات المغادرة مع تعليق على الخبر ان هناك ما يقارب 62 الف شخص غادر العاصمة يوم امس .
مشهد الاطفال وهم يتفاخرون باللمة الاسرية في العيد ..اعادني الى ذات المشهد ونحن صغار في شارعنا في عطبرة ..اذ كان التفاخر بان اخوتنا الكبار سيأتون في اي لحظة ..وانهم سيحضرون لنا ملابس العيد ..وكان حضور اخوتي الكبار صلاح الدين وعبد الحميد العلامة الثالثة لثبوت العيد..الاولى كانت عبارة (ثبت شرعا ) التي يتم بثها عبر اثير اذاعة امدرمان ..في ذلك الوقت كان التحري يستمر حتى وقت متأخر من الليل (ليه ما عارفة )…لا اذكر انني تمكنت من البقاء مستيقظة يوما ما ..كان النوم يغلبني دائما فانام على امل ان نصحو ونجد العيد قد اطل .
العلامة الثانية ..كانت الغبار ..(ايوة والله )..في عطبرة هناك غبار مميز ليوم الوقفة ..اذكر ان هناك عيدا كانت السماء صافية حتى منتصف الليل تقريبا ..كلنا اعتقدنا ان غدا ليس يوم عيد ..فلا غبار ولا ثبت شرعا حتى ذلك الوقت ..مرت الدقائق والساعات..اذا بالراديو ينطق بالعبارة السحرية (ثبت شرعا ) ..لكن الغبار لم يأت ..توكلنا على الله واكملنا النظافة وقلوبنا بين شك ويقين ..ما ان استعددنا للنوم ..حتى هبط علينا غبار اسود كثيف ..لا اول له ولا آخر ..اذكر ان نادية اختي (حردت ) وقالت انه لن تعيد ما نظفته ..لكن هيهات ..انتظرنا حتى انتهاء الغبار ومن ثم امسكنا (المقشات) من جديد بفرح فقد ثبت العيد ونزل الغبار …
الثالثة كانت مجئ اخوتي الكبار ..كانوا يصلون عطبرة في اللحظات الاخيرة ..اخر قطار يدخل عطبرة بالتاكيد يقل صلاح وعبد الحميد أو احدهما ..مما يحرمنا من فرصة التفاخر في الشارع مع بقية الأطفال بقدوم الأخوة ..كنت دائما اتذمر من تأخرهم ..ذلك اننا كنا ننام ونحن في انتظارهم على احر من الجمر ..او في الحقيقة في انتظار الهدايا ..صلاح له ذوق عال في اختيار الملابس ..ياما ارتدينا على اختياره اجمل الفساتين والاحذية ..اما عبد الحميد فقد كان سخيا في العيدية ..اذكر انه كان ينفحنا ب(طرادة ) حمراء ورقة كاملة ما يعادل ربع جنيه سوداني حينما كانت للجنيه هيبة ومكانة ..وقد كانت تلك اموال كثيرة وايم الله ..
اليوم شاهدت صورة لبص ممتلئ عن آخره .. البعض جلس على ارضية البص … قيل ان التذكرة بنصف الثمن ..تأملت تلك الوجوه المرهقة ….رأيت فيهم اخوتي …ترى كيف كانت الصعاب التي كانوا يقاسونها لكي يلحقوا بقطار العيد في آخر لحظات ؟ تذكرت كم اللوم الذي كنت اكتمه في نفسي وانا اردد (ليه ما يجوا بدري زي علي برياب جارنا ..بيجي من السعودية ويحصل الوقفة ) ..كبرت وفهمت انهم كانوا يعملون لآخر لحظة ..لكي يجمعوا ما استطاعوا من اموال ..ومن ثم يقضوا بقية الوقت في شراء الملابس والاحذية لنا كل حسب مقاسه وعمره ..وعليهم بعد ذلك كله الاسراع للمحطة للحاق باخر قطار.
عبر هذا المقال ابعث تحياتي لكل اب واخ واخت ..يسافرون في هذا الوقت للقاء اسرهم ..يركبون اي شئ متحرك في سبيل الوصول الى اهلهم ..يحملون في حقائبهم بجانب الملابس والاحذية ..كميات من الشوق والألفة ..والكثير من السعادة والمحبة..لهم جميعا ولاخوتي الكبار ..ولكم ..اجمل التهاني بالعيد السعيد ..كل عام وانتم بخير وصحة وسلامة

 

 

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى