الفاتح جبرا

الفاتح جبرا يكتب: خطبة الجمعة

إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
أما بعدُ :
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ، فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ: (يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟)، قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاَحِ، فَقَالَ: (أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟، أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟)، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
إنَّه لدرسٌ كبيرٌ، وإنذار واضح وجلي للمسلمين من رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ لحبيبِه أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رضيَ اللهُ عنهما، درسٌ لم يكنْ يحتملُ التَّاجيلَ والمماطلة أوالتسويف ، إنَّها النِّياتُ وما أدراكَ ما النِّياتُ، وهل يعلمُ النِّياتِ إلا ربُّ الأرضِ والسَّماواتِ، فهو العزيزُ العظيمُ الرَّحيمُ الغفورُ، الذي يعلمُ خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصدورُ.
فهل لنا أيها الأحباب بعدَ هذا الموقفِ الرَّهيبِ، أن نطعنَ في نيَّةِ إنسان أي كان ؟ يقولُ سعيدُ بنُ المسيَّبِ رحمَه اللهُ: (كتبَ إليَّ بعضُ إخواني من أصحابِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: أن ضَعْ أمرَ أخيكَ على أحسنِه، ما لم يأتِكَ ما يَغلبُكَ، ولا تظنَّنَّ بكلمةٍ خَرجتْ من امرئٍ مُسلمٍ شَرًّا، وأنتَ تَجدُ لها في الخيرِ مَحملًا).
أيها الأحبة :
إن إساءةُ الظَّنِّ بما في قلوبِ الآخرينَ نَفقِدُ بسببِه أحبَّتَنا ، وأعظمُ من ذلكَ فهي معصيةِ لخالقِنا، الذي أوصانا وقالَ لنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا)، ولذلكَ لا تجدُ مؤمناً حقيقيَّاً في إيمانِه، إلا وهو سليمُ الصَّدرِ لإخوانِه، يلتمسُ لهم المُبرِّراتِ والأعذارَ.
أرأيتم كيف كان ظَنَّ أبي أيوبَ الأنصاريِّ رضيَ اللهُ عنه جميلاً ينبغي أن يسير المسلم على هديه عند حادثة الإفك في عائشةَ رضيَ اللهُ عنها ؟ فعندما دخلَ على امرأتِه أمِّ أيوبَ، قالتْ له: يا أبا أيوبَ، ألا تسمعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ؟، قَالَ: بلى، وَذَلِكَ الكذبُ، أكنتِ يا أمَّ أيوبَ فاعلةً ذَلِكَ؟، قَالَتْ: لا واللهِ مَا كنتُ لأفعلُه، قَالَ: فعائشةُ واللهِ خيرٌ منكِ، فأنزلَ اللهُ تعالى: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ).
أيُّها المسلم :
أحسنَ الظَّنَ بما في قلوبِ المسلمينَ، ولا تتَّهم ما لا تراهُ العينُ، وانظرْ إلى قلوبِ النَّاسِ نظرةً نظيفةً، واحملْ ما فيها على النَّوايا الشَّريفةِ، واجعل مشاعرَك تجاهَهم خالصةً عفيفةً، يذهبُ ما في قلبِك من الشَّكِ والرَّيبِ، وتحلو حياتُكَ بالسَّعادةِ وتطيبُ، وإذا ما أخطأَ عليكَ حبيبٌ يوماً واعتذرَ، فتذكَّرْ ما في العفوِ من الشَّهامةِ والأجرِ، (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ).
اللهمَّ أصلح نياتِنا وذريتِنا، وألف بينَ قلوبِنا، وتوفنا مسلمينَ، وألحقنا بالصالحينَ اللهم اجعلنا لك ذاكرينَ، لك شاكرينَ تائبينَ وإليك منيبينَ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وعافنا واعف عنا، وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم رحمتَك نرجو، فلا تكلنا إلى أنفسِنا طرفةَ عينٍ، ونجنا من القومِ الظالمينَ .

 

 

 

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى