تحقيقات وتقارير

بعد إخطار الملء الثاني لسد النهضة.. هل تثور رياح الجيش المصري جنوبا؟

بإعلان “غير مفاجئ”، استبقت الحكومة الإثيوبية جلسة مجلس الأمن الدولي المقررة الخميس لمناقشة تطورات أزمة سد النهضة، بإخطار مصر ببدء الملء الثاني لخزان السد المقام على النيل الأزرق، الذي يعد الرافد الرئيسي لنهر النيل الذي يمثل شريان الحياة لدولتي المصب مصر والسودان.

وجاء الموقف الإثيوبي بعد يومين من تصريحات مصرية صاخبة، بدأت بتأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي عدم استمرار بلاده في التفاوض إلى ما لا نهاية، إضافة إلى تصريحات للعميد ياسر وهبة مقدم الحفل الذي أقيم بمناسبة افتتاح قاعدة عسكرية شمال غربي مصر، قال فيها إن رياح الجيش المصرية رشيدة ولا تثور إلا إذا تعلق الأمر بالأمن القومي المصري والعربي، وتتحول إلى أعاصير لا تبقي ولا تذر، على حد قوله، وهو ما اعتبره الإعلام المحلي إشارة مباشرة إلى ملف السد.

وفيما خفّض مجلس الأمن في جلسته الأخيرة سقف التوقعات بعد تلقيه طلبي القاهرة والخرطوم، انتعشت منصات مواقع التواصل الاجتماعي بتمنيات وأنباء على مدار الساعات الماضية بشأن تحرك مصري وشيك، بالتزامن مع تحذيرات إعلاميين مقربين من النظام على غرار أحمد موسى وعمرو أديب ونشأت الديهي، من أن بدء الملء الثاني يعد “عدوانًا وإعلان حرب”.

لكن المتابع للإعلام المحلي في مصر يلحظ أن ثمة تضاربا وارتباكا ملحوظين في تصريحات المسؤولين المصريين عن سد النهضة في الآونة الأخيرة، انعكس على التناول الإعلامي للملف المتأزم، وطريقة التعامل معه، وفق مراقبين.

وبينما أكد دبلوماسي سابق ومحلل سياسي أن استخدام مصر القوة العسكرية أمر وارد إذا استمر التعنت الإثيوبي، استبعد كاتب ومفكر بارز توجيه ضربة عسكرية للسد، معتبرًا ذلك مغامرة كبرى في وقت يشهد فيه العمل السياسي صعوبة شديدة.

وفي ظل الرأي القائل بعدم مشروعية ضرب السد لأن اتفاقية المبادئ المبرمة عام 2015 أقرت بالفعل وجوده، فإن المراقبين عادة ما ينتقدون ارتكان القاهرة لهذه الاتفاقية في النقاش الدائر حول ملف السد.

وفيما يتعلق بالجلسة الأممية المرتقبة الخميس، يعتقد كثيرون أن مجلس الأمن لن يقدم جديدًا لملف السد، ومن المنتظر أن يحيله مجددًا للاتحاد الأفريقي على غرار ما حدث العام الماضي، في ظل تضارب المواقف والمصالح الدولية بين ثلاثي الأزمة.
إخطار ورفض وتحذير

وكانت إثيوبيا أعلنت مساء الاثنين في خطاب وجهته للقاهرة أنها بدأت فعليا الملء الثاني لخزان سد النهضة، في حين رفضت مصر بشدة هذه الخطوة واعتبرتها تطورا خطيرا يهدد الأمن الإقليمي والدولي، وقالت إنها أحالت الخطاب الإثيوبي إلى رئيس مجلس الأمن للإحاطة.

وفي لقاء جمع وزيري الخارجية المصري سامح شكري والسودانية مريم صادق المهدي في نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة، أكد الوزيران أن الملء الثاني للسد مخالف لاتفاق المبادئ، وانتهاك للقوانين الدولية الحاكمة للأنهار العابرة للحدود، ويشكل تصعيدًا خطيرًا يكشف سوء نية إثيوبيا.

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تصدرت وسوم (هاشتاغات) على غرار #ادعم_القرار_المصري و#سد_النهضة، تناولت تمنيات مغردين حول تحرك مصري وشيك تجاه السد، وطالبوا من خلالهما بدعم القيادة السياسية في أي إجراء يتم اتخاذه لحماية الحقوق المائية.

وخفَّض مجلس الأمن الدولي من سقف التوقعات قبل جلسة مقررة بشأن السد الخميس المقبل، وقال في بيان السبت “لن يكون بمقدورنا حل مشكلة سد النهضة، لكن سندعو الدول الثلاث إلى الحضور وسنشجّعها على التفاوض”.

بينما علق شكري على موقف مجلس الأمن بالقول إن القاهرة تتوقع من المجلس جهدا إضافيا لدفع الأطراف لاستئناف المفاوضات، معتبرا أن هناك مصالح متضاربة داخل المجلس، وأن بعض أعضائه يترددون في مناقشة قضايا المياه، مؤكدا في الوقت نفسه أن لدى بلاده كل الوسائل لحماية أمنها القومي، وأن كل الوسائل متاحة لديها من أجل ذلك، على حد قوله.
استفزاز ومراوغة

ويعتقد السفير محمد المنيسي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن التطورات الأخيرة في ملف سد النهضة تمثل خطورة جديدة لاستفزاز بلاده والسودان لضرب السد.

وقال المنيسي -في تصريحات لصحيفة الأهرام الحكومية- إن “رد الفعل المصري يستوعب هذه المراوغة ومتفهم للطبيعة الإثيوبية.

وفي ما يتعلق بخطوة مجلس الأمن، قال المنيسي إن المجلس لن يقدم جديدا في هذه القضية، لكن مصر سلكت هذا الاتجاه للتأكيد على أنها خاضت كل الوسائل الدبلوماسية المتاحة، مؤكدا أنه بعد اللجوء إلى مجلس الأمن لم يعد هناك أي وسائل دبلوماسية أخرى متاحة.
توقيت الضربة

والتقط أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة الخيط نفسه، مؤكدًا أن بلاده لديها كل الحق في أن تستخدم كل الوسائل للرد على الاستفزاز الإثيوبي.

وحول توقيت اللجوء لعمل عسكري ضد السد، أوضح نافعة -في تصريحات للجزيرة نت- أنه يرتبط بالقدرة على تحقيق الأهداف المبتغاة من ورائه، مستدركًا بالقول “لكن متى تستخدم مصر العمل العسكري، وما شكله، هل هو ضربة عسكرية أم تنسيق مع السودان لاسترداد الأرض التي بني عليها السد، هذه أمور تدخل في اختصاص العسكريين”.

وأكد الأكاديمي المصري أن استخدام القوة العسكرية “أمر وارد، إذا استمرت إثيوبيا وأصرت على الإضرار بمصر، وسيكون واضحا تمامًا أن المسألة ليست التنمية وإنما استخدام مياه النيل وسيلة للضغط أو ابتزاز مصر، وهو أمر لا يمكن السماح به”.

وعن توقعاته فيما يدور داخل أروقة النظام المصري، شدد على أنه ليس بمقدور أي نظام حاكم في مصر أن يتجاوز أو يسمح بهذا التهديد الوجودي، مضيفًا: لكن في الوقت نفسه على مصر أن تطرق كل السبل وأن تبحث عن مخرج للأزمة.

وأشار نافعة إلى أن إقدام مصر على ضربة عسكرية أمر ليس مستبعدا، لكنه سيؤدي إلى عدم استقرار في المنطقة كلها وربما يشعل حربا إقليمية ممتدة وطويلة يخسر فيها الجميع، ، مشيرا إلى أن توقيع مصر على إعلان المبادئ أكد حسن نيتها والسودان بعدم اعتراضهما على قضية التنمية في إثيوبيا.

ودعا إلى النظر في موضوع الضربة العسكرية من مختلف الأبعاد، وليس باعتبارها ضربة بالطيران وينتهي الأمر، خصوصا أن المنطقة التي بني عليها السد منطقة نزاع حدودي بين السودان وإثيوبيا.

وبحسب الأكاديمي المصري، فإنه وفقا لاتفاقية وقعت عام 1902، هناك تنازل عن هذه الأرض من جانب السودان الذي كان محكوما بحكم بريطاني مصري آنذاك، وهذا التنازل تم في المقابل بالتزام إثيوبيا بعدم بناء سدود تهدد تدفق مياه النيل.

ورأى أن هناك خرقا إثيوبيا واضحا لكل الاتفاقيات الدولية، معتبرًا أديس أبابا لا تستطيع أن تقول إن هذه الاتفاقيات أبرمت في العهد الاستعماري، خصوصا أنها كانت دولة مستقلة حين وقعت على اتفاقية 1902.

وأبدى نافعة أمله في أن يتمكن مجلس الأمن -على الأقل في الوقت الحاضر- من توسيع نطاق المفاوضات، وأن تكون تحت إشراف أممي مع الاتحاد الأفريقي وحضور مراقبين من روسيا والولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، بما يساعد في توليد مزيد من الضغوط على إثيوبيا.

استبعاد العمل العسكري

في المقابل، استبعد الكاتب والمفكر المصري فهمي هويدي توجيه ضربة عسكرية للسد، مشددًا “لا نستطيع الحديث عن هذا الأمر، ومن يريد القيام بعمل عسكري لا يقول وإنما ينفذ”، والمسألة تحتاج إلى مكاشفة من النظام ومحاسبته وهو ما لم يحدث.

وقال هويدي -في تصريحات للجزيرة نت- إن سد النهضة ملف شائك ومعقد بالنسبة لمصر “التي تعد كطالب لم يذاكر دروسه طوال العام ثم جاءت ساعة الامتحان وفشل، وبالتالي لا بد أن يحاسب الجانب المصري لكن ليس لأحد القدرة على محاسبته”.

وأكد أن مصر وضعت نفسها في مشكلة، ولا يوجد خيارات للقيادة السياسية، بخلاف التلويح بالفوضى وغيرها من التصريحات.

وثمة إشكالية في العمل العسكري تطرق إليها هويدي، تتمثل في كونه “مغامرة كبرى” تتوازى مع “صعوبة شديدة في العمل السياسي”، مشيرًا إلى أن هناك حسابات دولية مختلفة لم تستثمرها مصر.

وأوضح أن الاتحاد الأفريقي ينحاز إلى الجانب الإثيوبي بسبب الغياب المصري عن القارة، كما أن الأمور معقدة بالنسبة لحلفاء القاهرة على غرار الإمارات التي لها استثمارات في إثيوبيا، وفرنسا التي تعد حليفا سياسيا وموردًا عسكريًا لمصر، متسائلا: كيف سنتعامل مع ذلك.

كما تطرق إلى أن الرأي العام في مصر لا يعرف خيارات القيادة السياسية، موضحًا أنه في وقت من الأوقات كان هناك تلويح باستخدام القوة، لكن لم يتم إظهار “العين الحمراء” للجانب الإثيوبي، إضافة إلى غياب العديد من الأمور داخل النظام المصري ذاته، الذي كان يعلم ولم يفاجأ بإعلان الملء الثاني للسد.

وفيما يتعلق بإمكانية حلحلة الأزمة في أروقة مجلس الأمن الخميس المقبل، أوضح الكاتب الصحفي المصري أن المجلس لن يقدم جديدًا، حيث سبق أن أعاد تدوير الملف وأحاله للاتحاد الأفريقي دون أن تقوم مصر بمجهود طوال سنة كاملة، إضافة إلى وجود مشاكل أمام المجتمع الدولي وحسابات معقدة في مسألة المياه وتوزيع حصصها.
آمال شعبية

وفي السياق ذاته، رأى السياسي المصري مجدي حمدان -القيادي السابق بجبهة الإنقاذ التي قادت الدعوات للإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي- والأمين العام المساعد بحزب المحافظين، أن تعامل السلطات المصرية مع قضية السد لم يكن بالقوة التي توقعها المصريون .

وقال للجزيرة نت: “نحن كشعب لدينا يأس من أن تكون هناك حلول جذرية، أما عن الموقف الدولي فهو أمر محتوم، حيث لن تقدم الهيئات الدولية أية حلول لأية معضلة على غرار القضية الفلسطينية”.

وأكد أنه “كان يجب على مصر المبادرة بضرب سد النهضة بلاهوادة، ثم تجلس فيما بعد على طاولة المفاوضات، بعد استغلال المناورات العسكرية (مع السودان) في هذا الأمر”.

وفيما يتعلق بالموقف الدولي وعلى رأسه الفرنسي داخل مجلس الأمن، اعتبره “نظرة مصلحية بحتة، تتمثل في البحث عن المصالح السياسية التي لا توجد بها عواطف”.

القاهرة : محمود سامي

الجزيرة نت

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى