تحقيقات وتقارير

سيناريو تكدس الجثث بالمشارح.. من المسؤول.. النيابة أم الطب الشرعي؟

كثُرت مبررات انتهاك حرمة الأموات في مشارح الخرطوم بتكدس جثثهم وتحللها ومنع اكرامها بالدفن، الأمر الذي أثار سخط المواطنين بالأحياء المجاورة للمشارح مما دفعهم للتصعيد.. وعزت هيئة الطب العدلي التكدس إلى توقف اذونات الدفن من النيابة العامة، والتي عزت الأسباب بدورها إلى صراعات بين هيئة الطب العدلي الولائية واستشارية الطب العدلي الاتحادية، قبل ان تخرج أمس بتوضيح لما حدث وتعزوه مجدداً للقرارات غير المدروسة التي قضت بإصدار قرار بإيقاف التشريح والدفن بالمشارح.

توضيح النيابة العامة
وقالت النيابة العامة حول تكدس الجثث بالمشارح في بيان، إن النائب العام المكلف مولانا مبارك محمود عثمان شرع منذ توليه مهام منصبه في إصدار قرار بتشكيل لجنة لمعرفة أسباب تكدس الجثث بالمشارح برئاسة رئيس نيابة عامة، مشددة على مباشرة اللجنة اعمالها فور صدور القرار .
وأشار التوضيح إلى أن اللجنة قامت مباشرةً بعمل زيارات ميدانية استهدفت مشارح أم درمان وبشائر والتميز للوقوف علي حجم الأزمة المتعلقة بتكدس الجثامين بالمشارح .
واوضحت اللجنة ان أحد الاسباب الرئيسية لهذه الأزمة تمثلت في القرارات غير المدروسة التي قضت بإصدار قرار بإيقاف التشريح والدفن بالمشارح والتي ادت لتحميل تلك المشارح فوق طاقتها الاستيعابية مع توافد أعداد أخرى من الجثامين لتلك المشارح، في الوقت الذي تزيد الجثامين الموجودة بتلك المشارح بأكثر من عشرة اضعاف الطاقة الاستيعابية للمشارح الموضحة.

ونوهت اللجنة إلى أن انقطاع التيار الكهربائي بالمشارح فاقم من الازمة بعد أن أدى إلى تحلل الجثامين وانتشار الروائح الكريهة إلى المباني المجاورة لتلك المشارح، موصيةً بزيادة عدد وكلاء النيابة العاملين بالمشارح، ومؤكدةً ان النائب العام المكلف قام عقب ذلك بتفريغ وتكليف العدد المطلوب من وكلاء النيابة للعمل بتلك المشارح.
وقامت اللجنة بتصنيف الجثامين المتكدسة بالمشارح لعدة فئات كوفيات الأطفال حديثي الولادة مجهولي الأبوين، و وفيات ضحايا حوادث السير والمرور، إضافةً لوفيات طبيعية لها شهادات وفاة، وأخرى وفيات بها شبهات جنائية، لافتةً إلى تعرفهم على جثمانين من الفئة الأخيرة.
واكدت اللجنة أن الفئات الثلاث الأولى لا علاقة ولا صلة لها بأي تحقيقات جنائية أو أعمال تحر تخص لجان الشهداء او المفقودين، مشددةً على قيام النائب العام المكلف على اثر تلك التوصيات باستصدار توجيهات بدفن الجثامين المتعلقة بتلك الفئات وفق البرتكولات ذات الصلة والمعايير الوطنية والدولية في هذا الخصوص، واضاف التوضيح: تكللت بمواراة أكثر من (٧٠) من تلك الجثامين الثرى ولازال العمل جارياً في دفن بقية الجثامين.

أصل الحكاية
فبراير الماضي تم دفن جثث متحللة، كانت قد اكتشفت في مشرحة مستشفى ود مدني وأحدثت اصداء واسعة بعد أن ربطها الكثيرون بمفقودي فض الاعتصام ، وقالت وكالة سونا للانباء وقتها إن مساعد المدير العام لوزارة الصحة بولاية الجزيرة أعلن عن تواصل عمليات تشريح وإعادة تشريح 168 من الجثامين لمجهولي الهوية بمشرحة مدني.
ونقلت عن المسؤول قوله “الجثامين لم يتم اكتشافها بالصدفة كما أشيع في كثير من مواقع التواصل الاجتماعي، فقد كانت معروفة من قبل وزارة الصحة وتم حفظها بناء على قرار صادر من قبل لجنة التحقيق في فض الاعتصام يحظر دفن أي جثة مجهولة الهوية”.
وأوضح أن اللجنة الخاصة بتشريح وإعادة تشريح الجثامين تقوم بعمل ملفات كاملة تحدد فيها كل المعلومات وأخذ البصمة الوراثية وصورة لكل المتوفين وإعطائهم أرقاما متسلسلة.
وكشف عن لجنة ستقوم بالدفن وفق الطرق القانونية المتعارف عليها وبحضور كل جهات الاختصاص وفي مكان تم تحديده من قبل وزارة الصحة، مؤكداً أن لجنة الطب العدلي سترفع تقريرها للجهات المختصة.

تصعيد التميز
وعقب مرور شهرين على دفن جثث مشرحة ود مدني وبذات الضجيج اغلق سكان احياء مجاورة لمستشفى التميز الأكاديمي الطريق العام احتجاجا على روائح الجثث المتحللة بمشرحة المستشفى، مُطالبين بحضور النائب العام لمعرفة هوية الذين تم حفطهم في ثلاجة المشرحة، اضافة الى ازالة المشرحة من حيهم.
وكانت قد فاحت من مشرحة التميز المكدسة بالجثث، روائح التحلل بسبب قطوعات الكهرباء المتكررة، وعزي التكدس لتوقف اذونات دفن الجثث مجهولة الهوية من النيابة العامة، في الوقت الذي توقع به كثيرون أن تكون لبعض المفقودين.

رد الحبر
وتعقيباً لتصعيد التميز رد النائب العام وقتئذٍ مولانا تاج السر الحبر، بأن النيابة العامة وضعت قواعد محددة للتعامل مع جثث مجهولي الهوية، وذلك بتكوين لجنة من الطب العدلي لتقوم بعملية التشريح ورفع البصمة الوراثية (الحمض النووي) وتحديد الوفاة بشكل قاطع لتتم عملية الدفن بأرقام محددة ومواقع معينة.
وأكد الحبر انه في حال وجود شبهة جنائية تتخذ الإجراءات القانونية بفتح الدعوى الجنائية، مشيراً إلى أن هذا بروتوكول متفق عليه دولياً، وحدث ذلك عند تفريغ مشرحة الأبيض، واضاف:اصدرنا قواعد تلتزم بها بقية المشارح. وتابع: لدينا قاعدة بيانات بولاية الجزيرة بعد تفريغ مشرحة ود مدني.
وكشف الحبر عن إشكال يعيق عملهم يتلخص في صراع بين هيئة الطب العدلي الولائية واستشارية الطب العدلي الإتحادية، منوهاً إلى أنهم طلبوا منهم حل الإشكالات فيما بينهما بحيث كل يعرف ما يليه.
واردف: بالنسبة لمشرحة التميز فالمشكلة تكمن أولا في أن المشرحة لا تستوفي المقاييس الدولية، وفقط هي غرفة مبردة انقطع عنها التيار الكهربائي،لافتاً إلى إصدارهم امرا بالتشريح في اكتوبر الماضي، وان الكرة الآن في ملعب الطب العدلي بالولاية، مشدداً على أن الاخيرة لم تقم بالتشريح في الوقت المناسب إلى أن اتت قطوعات الكهرباء وبدأت الجثث في التحلل.

واشار الحبر إلى اجتماع للطب العدلي حضره قبل ثلاثة اسابيع بحضور رئيسه وكل ذوي الصلة وقد ترأس الاجتماع عضو المجلس السيادي عائشة موسى لاهتمامها بالموضوع، قاطعاً بإصداره امرا بالتشريح وفي حالة الشبهة الجنائية يتم اتخاذ الإجراءات القانونية وبعد ذلك عملية المواراة.
واضاف: هنالك اشكالات بإمكانيات الطب العدلي بالسودان اضافة الى قلة عدد الأطباء الشرعيين ومن جانبنا اصدرنا الأوامر اللازمة.
وشدد الحبر على عملهم منذ وقت ليس بالقصير بمشرحة التميز بالتحريات التي اشارت إلى عدم وجود علاقة للمشرحة بضحايا فض الاعتصام والمفقودين لجهة أن الجثامين قابعة منذ فترة طويلة.
وتابع: اباشر العمل بعد الإتصال بوالي الخرطوم ويجري العمل مع وكلاء نيابة وصدرت الأوامر بتشريح أي جثة بعام 2021 ونتوقع أن يتم الانتهاء من التشريح خلال أسبوع، واضاف: طريقة حفظ الجثث لا اخلاقية ولا تليق بكرامة الإنسان وفشل (الطب العدلي) هو ما أدى إلى هذا التكدس.

العدد في الخرطوم
وكانت هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم قد كشفت عن وجود أكثر من 1000 جثة مجهولة الهوية بمشارح ولاية الخرطوم.
وأوضحت الهيئة لمنبر اعلامي أن الجثث الموجود بالمشارح تراكمت منذ عام 2019 بعد قرار منع دفنها من قبل النيابة العامة، وأوضح أن النيابة العامة سمحت الآن بدفنها وفق الإجراءات الصحية العالمية بعد أخذ العينات والتشريح.
واضافت: إن سلطات ولاية الخرطوم خصصت مقابر لدفن الجثث مجهولة الهوية بمنطقة شرق النيل في مساحة 10 آلاف فدان.

تقرير – هبة علي
الخرطوم: (صحيفة السوداني)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى