اقتصاد

حال الاقتصاد بعد عامين على الحكومة الانتقالية سياسات إصلاحية قاسية وأزمة تتزايد

أكملت حكومة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، عامين بعد تشكيل أول حكومة إنتقالية عقب التغيير الذي اعقب سقوط النظام السابق، تخللها إجراء تعديل وزراي شمل إستبدال بعض وزراء القطاع الإقتصادي، إلا ان السياسة العامة التي تتبناها الحكومة بشأن إدارة الاقتصاد، ظلت كما هي دون تعديل، إلا أن ثمرة هذه السياسة ما تزال في طور النمو، ولم تظهر انعكاساتها على المواطن بعد، بل يرى البعض انها أسهمت في تعميق حدة الأزمة الاقتصادية.

 

مؤشرات سلبية
وخلال هذين العامين، لم يحدث تحسن إيجابي ملموس، بقدر ما تدهورت الأوضاع أكثر مما هي متدهورة بالفعل، حيث ارتفع معدل التضخم لمستويات قياسية، كما تصاعدت اسعار الصرف لحد قارب سعر الدولار مقابل الجنيه، “500”، وتم تحرير أسعار الوقود كلياً وزيادتها أكثر من مرة تماشيًا مع ارتفاع سعر الصرف، علاوة على إلغاء العمل بالدولار الجمركي، وأدت هذه المعطيات لانعكاسات سلبية على معيشة المواطن، بارتفاع المستوى العام لأسعار السلع والخدمات بما يفوق قدرة البسطاء ومحدودي الدخل.

 

إيجابيات
وتمثلت أبرز الإيجابيات التي أنجزتها الحكومة في الملف الاقتصادي، في التقدم بعيداً في ملف شطب الديون الخارجية، والحصول على تمويلات من جهات متعددة، علاوة على انسياب بعض المنح التنموية المانحين، كالتزام من المجتمع الدولي لدعم الفترة الانتقالية، وهي نتيجة لم يكن من الممكن التوصل إليها بغير التزام الحكومة بتبني سياسة إصلاحية وفق موجهات صندوق النقد والبنك الدوليين، ووافقت الحكومة على ذلك، ومن المؤكد ستستمر عليها.

 

وما يزيد من ترجيح استمرار السياسات السابقة، هو التزام الحكومة في العام الماضي ببرنامج مع صندوق النقد الدولي مدته 12 شهرا، حيث اعد الصندوق في سبتمبر الماضي برنامجاً للسودان يتابعه خبراء الصندوق كبرنامج مستوف لمعيار الشرطية المطبق على الشرائح الإئتمانية العليا، وكانت الحكومة السودانية طلبت برنامجاً يتابعه خبراء الصندوق لإنشاء سجل أداء قوي فيما يخص تنفيذ السياسات والإصلاحات، وهو مطلب ضروري للوصول إلى تخفيف أعباء الديون.

 

وأدركت الحكومة منذ وقت مبكر، أهمية وتعقيد التحديات الاقتصادية، ذلك لأنها شكلت عصب الحراك الجماهيري الذي كلل بالتغيير، وكانت المطالب الاقتصادية والمعيشية هي السبب الرئيس في بروز وتنامي الأصوات الاحتجاجية، كما كان الاقتصاد هو المتأثر الأكبر بالإخفاقات التي حدثت طوال الفترة الماضية، ووصول الأزمة لحدود عجزت فيها الحكومة عن معالجة قضايا شح السيولة التي ما تزال مستمرة، علاوة على تصاعد أسعار الصرف وما نتج عنه من تراجع احتياطي البنك المركزي من النقد الاجنبي اللازم للاستيراد.

 

تحديات اقتصادية
أما أبرز التحديات فتتمثل في إصلاح التشوهات التي لازمت اقتصاد البلاد طوال السنوات الماضية ومعالجة السياسات الخاطئة التي تسبت في إدخال البلاد لنفق مظلم.. وبالعودة قليلا للوراء للعامين الأخيرين فقط، أصدرت الحكومة السابقة قرارات وصفها خبراء الاقتصاد بأنها خاطئة وكارثية ونصحوا بعدم تطبيقها دون جدوى، وتمثلت هذه القرارات في رفع دعم الخبز وتحريك الدولار الجمركي بزيادة 3 اضعاف واخراج آلية صناع السوق السوق للعلن ورفعها للسعر الرسمي للدولار من 29 جنيها الى 45 جنيها مما أفقد العملة المحلية 66% من قيمتها بين يوم وليلة، وهي مشكلات أدت بدورها لتبعات كارثية تمثلت في ارتفاع التضخم لمستويات قياسية وارتفاع المستوى العام للأسعار لحد عجز فيه غالبية المواطنين من تأمين احتياجاتهم الحياتية.

 

كما يشكل “الاقتصاد الموازي” عقبة أمام الحكومة الانتقالية بالنظر لما يشكله من ثقل وتأثير، حيث تدار مئات الأنشطة الاقتصادية بعيداً عن سيطرة الحكومة، وتدر عائدات ضخمة لا تجد طريقها للقنوات الرسمية على شكل اموال سائلة وأرصدة غير مالية، وتحتاج الحكومة لقرارات شجاعة ومدروسة لتتمكن من توفيق أوضاع الاقتصاد الموازي، وضمه إلى الاقتصاد الرسمي، لأنّ ذلك يُمكّنه من زيادة الدخل، والإسراع في تحصيل المتأخرات الضريبية، لأنّها خُطوة مهمة من خطوات الإصلاح الاقتصادي، وهي خُطوة مهمة تم تأجيلها من بداية العام 2018 كمتطلب من متطلبات الموازنة ولكن تم تأجيلها أكثر من مرة.

 

عدم الاستقرار الاقتصادي
كما يشكل عدم الاستقرار الاقتصادي أحد الإشكاليات، التي أثرت سلبًا في عملية جذب الاستثمارات، بجانب قضية الإنتاج والإنتاجية، التي لم تتحقق فيها أهداف الاستثمار وهو زيادة الصادرات من الصمغ العربي والماشية والمعادن والقطن، وأن يتم تخفيض استيراد القمح والأدوية وزيوت الطعام التي يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي منها بقليل من الدعم الحكومي.

 

وفيما يلي الحكومة فهي مدعوة لاتخاذ العديد من الإجراءات التي من شأنها النهوض بالاقتصاد، مثل: ترشيد الإنفاق العام، أو حتى إعلان التقشف مثلما فعلت دول كبرى عديدة، وتكثيف مكافحة التهريب الجمركي والتهرب الضريبي.
‬‏

 

عامان بلا تحسن
في تقييمه لفترة العامين الأخيرين، يرى الخبير الاقتصادي، قاسم الصديق، أنها مرت دون أي تحسن سواء في الاقتصاد أو في تكاليف المعيشة رغم منح العديد من المستوردين دولارا بنكياً لكنه لا ينقص كثيراً عن سعر السوق الموازي.

 

كما قلل من حجم أموال المانحين لكونها لم تصل كلها وهي في الأصل موجهة لشطب الديون السيادية توطئة لقروض جديدة، وخفض الديون يهيئ لقروض جديدة قد تكون في الطريق.
‬‏مشيرًا إلى أن أموال برنامج “ثمرات” لم تصل المليار دولار بعد وأعتقد تمثل ركيزة البنوك في تمويل الاستيراد بالمزادات وهي في حدود 60 مليوناً أسبوعيًا حوالي 3 مليارات دولار سنويا بينما يحتاج الاستيراد الى 15 مليار دولار سنوياً.

 

وأوضح الصديق، أن معدل التضخم لا يشهد أي انخفاض، وليست هناك زيادة في إنتاج سلع الصادر، ولا زيادة في إنتاج السكر والقمح والقطن والحبوب الزيتية والاسمنت حتى يتم تمزيق فواتير استيرادها، كما لا يتم ترشيد الاستيراد بحجب السلع غير الضرورية أو رفع جماركها للحد الذي يقلل من استيرادها، لافتاً إلى أن زيادة أسعار الوقود خاصة الجازولين أدى لتأثير سلبي على الإنتاج، كما أن انقطاع الكهرباء أضعف الإنتاج وقلل المساحات المزروعة، وما يزال الميناء يعوق عمليات الاستيراد والصادر ومن بينها مدخلات الإنتاج.

 

وقطع بأنه إذا لم تتحسن المشكلات أعلاه لن يزيد الإنتاج ولن تنخفض الأسعار وسنشهد تنامياً مضطرداً في معدل التضخم.

 

تقييم التجربة
بدوره، يشير المحلل الاقتصادي، د. هيثم فتحي، إلى صعوبة تطبيق الإصلاحات الاقتصادية على حساب الشرائح الضعيفة في المجتمع وقال إنها معادلة بالغة الحساسية أن يتم إصلاح الاقتصاد دون إلحاق الأذى بالفئات الأكثر هشاشة.

 

وقال فتحي بحسب صحيفة الصيحة: إن التحدي الأكبر هو العمل على تحسين الاقتصاد، وتلبية توقعات المواطنين في مجالات التنمية والوظائف والرعاية الصحية والتعليم لولا تلك الإجراءات ستكون الأوضاع الاقتصادية أكثر صعوبة، خاصة قضية تحرير أسعار الوقود، لأن المحروقات من أهم عناصر النشاط الاقتصادي، ولفت إلى أن التغير في أسعارها تترتب عليه تغيرات كبيرة في هيكل النشاط الاقتصادي ونسبة نموه.

 

وأشار فتحي أن المنطق كان يقتضي وجود عمل مبرمج قبل رفع الدعم عن الطاقة لتحفيز العمل في مجال استخدامات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحديثة ذات الكلفة الأقل، مشيرا إلى تأثير قرار رفع الدعم على طبقة محدودة الدخل، حيث إن له إيجابيات متمثلة في زيادة الإيرادات الحكومية التي تسهم في تحسين وتثبيت سعر الصرف، مما سينعكس بدوره على الإنتاج ومدخلاته، مقترحاً يمكن التدرج في تطبيق الإصلاحات لتكون على دفعات لامتصاص الصدمة لتكون خفيفة خاصة أن أسلوب التدرج اتبعته دول عديدة بتشريع قوانين صارمة للتهريب الذي يرهق كاهل الدولة ومحاربة أسواق المضاربة في العملة بطباعة عملة جديدة تحد من نشاط حركة السوق الموازية بالاهتمام بالإنتاج والاستفادة من الموارد الضخمة التي تتمتع بها البلاد، مبيناً أن القرار يمكن أن يقلل من تهريب الوقود إلى دول أخرى يستفيد مواطنوها من الدعم السوداني للمحروقات وأن رفع الدعم سيُساهم بصورة محدودة في سد عجز الميزانيَّة, ولكنهُ سيؤدي لارتفاع مُعدلات التضخم بصورة كبيرة، ولن تكون له مساهمة حقيقية في علاج أكبر أزمتين تواجهان الاقتصاد السوداني وهما أزمة الموارد المالية وأزمة تراجع نمو القطاعات الإنتاجية “الزراعة والصناعة” وقال إن علاج هاتين الأزمتين الرئيسيتين “الموارد المالية والإنتاج” لن يتم إلا بعد الوصول لحل سياسي واستكمال مشروع السلام الوطني وتوافق سياسي وطني شامل.

الخرطوم: (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى