تحقيقات وتقارير

في ذكرى غزو الكويت.. هل خدع صدام حسين مبارك؟

في الرابعة من صباح اليوم الثاني من أغسطس 1990، استيقظ مصطفى الفقي -سكرتير الرئيس المصري حسني مبارك للمعلومات آنذاك- على اتصال هاتفي من السفير المصري في الكويت سعيد رفعت، يبلغه أن القوات العراقية قد احتلّت حقل الرميلة وأنها تزحف الآن نحو الكويت.

بعد ذلك تلقى الفقي اتصالا آخر من السفير الكويتي بالقاهرة عبد الرازق الكندري يطلب منه إيقاظ مبارك فورا لأن العراقيين الآن في قلب الكويت.

أيقظ الفقي مبارك، وراح ينقل له ما بلغه من معلومات؛ سأله مبارك مدهوشا: هل هي عمليات؟ هل الحدود؟ أجابه الفقي أنها عمليات في العمق، وأن القوات العراقية احتلت قصر الأمير وقصر ولي العهد ووزارتي الدفاع والداخلية.
لقاء مغلق مع صدام

لم يكن صيف 1990 في منطقة الخليج العربي مجرد صيف ساخن آخر، بل ازداد لهيبه مع معلومات عن حشود الجيش العراقي على الحدود الكويتية، وتصاعدت التساؤلات عما إذا كان الخلاف بين بغداد والكويت قد يؤدي إلى تدخل عسكري.

وفي 17 يوليو 1990 ألقى الرئيس العراقي صدام حسين خطابا جدد فيه اتهام الكويت بالضلوع في ما وصفه بـ”مؤامرة نفطية” على العراق، ونفت الكويت هذه الاتهامات وطالبت العراق بسداد ديون بمليارات الدولارات أقرضته إياها خلال حربه مع إيران.

في 24 يوليو قرر الرئيس مبارك أن يتدخل ليوقف حربا يخشى الجميع أن تشتعل، وفي مطار القاهرة التقى وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل مبعوثا عن الملك فهد بن عبد العزيز، مدة ساعة، قبل أن يتوجه إلى بغداد لمقابلة صدام حسين.

وفي بغداد التقى مبارك صدام، وكان أغلب الاجتماع شكوى عراقية من الكويت، ولكن مبارك طالب صدام بحل المشاكل بالحوار، وفقا لتصريحات تلفزيونية كررها الرئيس المصري الراحل أكثر من مرة.

ويقول مبارك إنه تحدث مع صدام وسأله أسئلة صريحة: هل تنوي الهجوم؟ فقال صدام “لا”، ولكنه طلب عدم إبلاغ الكويت، وظل مبارك معه ساعات، ثم توجه إلى الكويت.

ولكن مبارك فوجئ في الطريق بتصريح وزير الخارجية العراقي آنذاك طارق عزيز أن مبارك تناول العلاقات الثنائية بين مصر والعراق، وأنه لم يتطرق إلى أزمة الخليج.

في الكويت التقى مبارك أميرها الشيخ جابر الأحمد الصباح، وأبلغه أن صدام لن يهجم، لذلك عندما وقع الهجوم، لم يصدق مبارك، وقال إنه لا يصدق أن دولة عربية تدخل لاحتلال دولة عربية أخرى.

وفي كتاب “حرب الخليج، أوهام القوة والنصر” للكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، يحكي هيكل نقلا عن مذكرة رئاسة الجمهورية، أن ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال سأل مبارك بعد الهجوم إذا كان قد اتصل بصدام، فقال له مبارك إنه لم يتصل بأحد في بغداد، “لأنهم سيكذبون علينا مرة أخرى”.

وأضاف مبارك أنه لا يعرف ماذا يقول للناس في العالم، فهؤلاء الناس إما أنهم سيتصورون أنه خدعهم لمصلحة صدام، أو أنه هو نفسه كان ضحية خداع من صدام، وكلا الأمرين سيئ.
خلافات عربية

وصادف اجتماع لوزراء خارجية الدول الإسلامية في القاهرة، لذلك عُقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب لكن الاجتماع راح يدور حول نفسه، وصار واضحا أن الأزمة أكبر من وزراء الخارجية، وأنه لا بد من دعوة الملوك والرؤساء العرب.

وفي الثامن من أغسطس، وبينما كان الرئيس الأميركي جورج بوش الأب يطالب بانسحاب فوري كامل وغير مشروط لكل القوات العراقية من الكويت، كان مبارك يوجه حديثا للعالم العربي يقول فيه إن “الصورة سوداء ومخيفة، وما لم نتدارك الموقف فورا فإن الحرب حتمية”، مضيفا أن أحدا لا يعرف مخاطر الحرب كما يعرفها هو، وحسب خبرته العسكرية ستكون الحرب المحتملة شيئا رهيبا وفظيعا.

ويحلل هيكل أن مبارك أتيحت له الفرصة للاطلاع على الخطة الأميركية للحرب في اليوم السابق لها، وكان الأمل يراوده بأن المعجزة ممكنة إذا خرج العراق من الكويت فورا بلا شروط.

وتمت الدعوة إلى مؤتمر قمة عربي عاجل في القاهرة، وسط أجواء متوترة، وشارك العراق بوفد رفيع المستوى، يرأسه نائب صدام -طه ياسين رمضان- والتقى مبارك مع رمضان في نقاش طويل، قال رمضان في نهايته إن ضمّ الكويت إلى العراق هو إجراء نهائي لا رجعة عنه.

وفي خطابه في افتتاح القمة العربية، حذّر مبارك من عمل عربي فعال أو تدخل أجنبي، وتحدث الزعماء العرب ليسود التوتر أكثر وتندلع الخلافات في وجهات النظر.
عاصفة الصحراء

وبينما كانت تتصاعد التهديدات الأميركية بضرب العراق، منح مجلس الأمن الدولي العراق فرصة الانسحاب من الكويت بلا شروط، وصدر قراره رقم 678 في 29 نوفمبر 1990 ليحدد تاريخ 15 يناير 1991 موعدا نهائيا للعراق لسحب قواتها من الكويت، وإلا فإن قوات التحالف الدولي سوف تستعمل كل الوسائل الضرورية لتحرير الكويت، ولكن صدام لم يستجب وانتهت المهلة وانتظر العالم حربا جديدة في الخليج العربي.

قاد الأميركيون تحالفا دوليا من 34 دولة، وأرسلت مصر نحو 35 ألف جندي ضمن القوات الدولية لتكون رابع أكبر الجيوش المشاركة بعد الولايات المتحدة والمملكة السعودية والمملكة المتحدة، في حرب سمتها واشنطن باسم “عاصفة الصحراء”.

وبعد حملة جوية استمرت 6 أسابيع تلتها 4 أيام من القتال البري، أصدر بوش قراره بوقف العمليات في 27 فبراير معلنا أن الجيش العراقي قد هزم، لتنهي أول حرب تلفزيونية يتابعها الملايين في أنحاء العالم.
مكاسب اقتصادية

وبينما أثبتت الولايات المتحدة نفسها أنها القوة العسكرية العظمى الأولى في العالم، كانت دول التحالف تجني أرباحها من المعركة، وبينها مصر التي استفادت اقتصاديا من حرب الخليج الثانية، إذ تم إسقاط كثير من ديونها وحصلت على عدد من المنح من دول الخليج وأوروبا.

ويقول الدبلوماسي المصري مصطفى الفقي -في حديث تلفزيوني- إن حرب الخليج نقلت مبارك من رئيس مصري إلى زعيم عربي، إذ قدّره الخليج العربي تقديرا كبيرا، وكان مبارك يتصل تليفونيا بأعضاء الكونغرس واحدا واحدا لإسقاط ديون مصر.

القاهرة:

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى