تحقيقات وتقارير

فتح المعابر بين “الخرطوم” و”جوبا”.. هل تنجح “الانتقالية” في رتق ما أفسده “الانفصال”؟

رجح عدد من خبراء الاقتصاد كفة نجاح فرص فتح المعابر للتبادل التجاري بين السودان ودولة جنوب السودان في تحقيق استقرار الأمن وعودة النازحين إلى قراهم حول المعابر. وأبدى بعض تجار السلع الشماليين رغبتهم بالعودة إلى العمل في السوق الجنوبية بما فيها منطقة أعالي النيل وملكال التي كانوا ينقلون لها البضائع عبر الجرارات براً ونهراً انطلاقاً من مدينة كوستي ـ بحسب ما نقلوه للمصادر ـ إضافة إلى رغبتهم كتجار في محاربة كبح جماح المهربين والقضاء عليهم كما نصح الخبراء من جهتم أيضاً بفتح فروع للبنوك السودانية على الشريط الحدودي لدولة ج السودان، يقابله فتح فروع لمصارف دولة ج السودان وذلك حتى يصب عائد أرباح تجارة فتح المعابر البرية والنهرية،السكك الحديدية داخل قنوات الدولة الرسمية كنقد أجنبي يعمل على تحسين الميزان التجاري للبلدين ويحقق التكامل الاقتصادي بينهما …ويأتي فتح المعابر إنفاذاً لقرار مجلس الوزراء وبالتنسيق مع الوزارات ذات الصلة بين البلدين.
وذلك عقب إعلان إعادة التبادل التجاري والذي قال عنه وزير التجارة علي جدو، إن تدشين افتتاحه الرسمي سيتم بحضور ممثلي الدولتين، حيث ينطلق العمل في الأول من أكتوبر القادم كما يبدأ العمل رسمياً عبر النقل النهري، وفي ذات الوقت الجوي والسكك الحديدية معاً.

سبق أن قررت الحكومة السودانية فتح المعابر الحدودية مع دولة جنوب السودان، والبالغ عددها 9 معابر، إلا أنها لم تفعل ذلك لعدم وجود ضوابط وقوانين تحكم التجارة بين البلدين بجانب عدم استقرار الولايات الحدودية.
وبالأمس أختتم وزير الدفاع السوداني الفريق يس إبراهيم، زيارته لدولة جنوب السودان عقب اجتماع جمعه مع الرئيس سلفاكير ميار ديت خرجاً منه بالاتفاق على فتح المعابر التجارية بين الدولتين مجدداً، وذلك بمعالجة أشكال التوترات الحدودية كافة تمهيدا لعودة التبادل التجاري بين الدولتين وفي اغسطس الماضي شكل وزير التجارة والتموين السوداني علي جدو لجنة فنية رئيسها وكيل الوزارة نادر الريح،وبقية الوزارات المعنية بإكمال هذا التبادل الذي يعمل على دفع العلاقات الثنائية بين الدولتين بالإضافة إلى الدفع بعملية التبادل التجاري الذي يدعم التكامل الاقتصادي بينهم

تحسين الميزان التجاري :
في غضون ذلك، وصف الخبير الاقتصادي محمد الناير في إفاداته قرار فتح المعابر مع دولة جنوب السودان بالصائب والمهم، من حيث العودة لتبادل التجاري واستذكر بأن ماقبل الانفصال ومنذ منتصف العام ٢٠١١م كانت العديد من السلع التجارية تذهب إلى دولة جنوب السودان كتجارة محلية، تتعامل بالعملة المحلية للبلاد. وقال إنها حركة طبيعية بين شمال وجنوب السودان كدولة واحدة موضحاً في حديثه للحراك بأن الأمر اختلف تماماً حيث كان يأمل أن يتم فتح التبادل التجاري عقب الانفصال مباشرة، متحسراً على مرور عشر سنوات قال بأنها كان يمكن أن تحدث تحسناً كبيراً جداً في اقتصاد الدولتين إذا تم فتح التبادل التجاري على أسس صحيحة وسليمة، مبدياً رغبته بأن يكون التبادل القادم تبادلاً تجارياً بإجراءات غير تقليدية ضرورية يبنى على أسس لفت إلى أنها تتطلب من الحكومة السودانية أن توجه البنوك السودانية بفتح فروع لها في الشريط الحدودي مع دولة جنوب السودان، وكذلك توجة جنوب السودان المصارف العاملة لديها أن تفتح فروع لهذه المصارف في المناطق الحدودية مع السودان حتى يضمن أن يتم التبادل التجاري عبر إجراءات بنكية صحيحة، وعلى أن يدخل ذلك في الميزان التجاري لدولتين كصادرات وواردات بالنقد الأجنبي.

فلاش باك:
وذكر الناير، في معرض حديثه أن جنوب السودان قبل الانفصال كان يتلقى حوالي ٧٠ سلعة من السودان والآن نفس السلع دولة جنوب السودان تحتاجها، باعتبار أن السودان الأقرب وهو الأكثر قدرة على مدهم بهذه السلع، مشيراً إلى ما يتعلق بالسلع التي تنتج محلياً. وأضاف بأن هذه السلع من شأنها أن تزيد حجم هذه السلع المنتجة وتزيد حجم الصادرات مما يسهم في تحسين الميزان التجاري من خلال زيادة حصيلة الصادرات وخفض العجز به. ومن جهة أخرى تلبي احتياجات دولة جنوب السودان بتوفير سلع بتكلفة أقل بدلاً من أن تستورد دولة جنوب السودان من جهات ودول بعيدة بتكلفة أكبر، إضافة إلى أن دولة جنوب السودان دولة مغلقة وأن السودان معروف لديه ٧٥٠كيلومتر على ساحل البحر الأحمر ولدية أيضاً موانئ بحرية ليست لخدمة السودان فقط، ولكن تخدم دول الجوار المغلقة خاصة دولة إثيوبيا التي قال عنها رغم التوترات تستفيد من هذا الساحل، وأيضاً جنوب السودان إلى جانب تشاد وأفريقيا الوسطى لذلك يرى الناير أن دولة جنوب السودان يمكنها الاستفادة من فتح هذه المعابر من جهتين، الأولى وهي الاستيراد على طريقة الترانزيت ومن خلالها يحصل السودان على رسوم عبوره السيادية بالنقد الأجنبي، بالإصافة إلى الاستفادة الثانية المتمثلة في النقل عن طريق الحاويات إلى جوب السودان براً أو عبر النقل النهري، وإعادة تشغيل خط الملاحة النهري الذي تجري فيه هذه الأيام اللمسات الأخيرة لعودته للخدمة، وذلك عن طريق كوستي إلى دولة جنوب السودان كما كان سابقاً قبل الانفصال.

تكلفة أقل:
ويعتبر النقل النهري هو الأرخص في العالم حيث عدد الناير طريقة أخرى يمكن استثماره من خلال فتح المعابر بين الدولتين، وهي أن ينسق جنوب السودان مع السودان لتحديد ومعرفة الاحتياج الفعلي للسلع التي لم يكتفِ منها جنوب السودان ذاتياً، وعلى السودان أن يتولى استيراد تلك السلع التي يحتاجها السودان نفسه، علاوة على ذلك دولة جنوب السودان ثم يعيد تصدير هذه السلع بعد جلبها إلى السودان في شكل صادر إلى جنوب السودان، وبالتالي يحقق السودان من خلالها فوائد، إضافة إلى تصدير بترول دولة جنوب السودان من آبار الإنتاج إلى ميناء بشائر السوداني وذلك بغرض التصدير من البحر الأحمر إلى السوق الخارجية، وهذا في إطار التبادل النفطي الذي كان يتم عبر قطاع موحد قبيل انفصال دولة جنوب السودان. وقال الناير عن تلك النقطة بأنه لابد من اتخاذ خطوات أكثر عملاً من حيث تحديد نقاط العبور التي سيتم عبرها بدء التبادل التجاري، ملمحاً إلى ضرورة الخروج عن التقليدية وايجاد الأجهزة المعنية من قبل هيئة الجمارك وأيضاً المواصفات من الدولتين في ظل وجود المصارف على الحدود التي أمن عليها حتى يصب العائد في المواعين الرسمية للدولة المغذية للاقتصاد الوطني، ومن ثم يبدأ التبادل التجاري الذي من شأنه أن يحقق بحسب توقعاته كخبير في الشأن الاقتصادي من واحد إلى اثنين مليار جنيه سنوياً للسودان، وفي نفس الوقت يحقق الاكتفاء ويوفر السلع الضرورية التي تحتاجها دولة جنوب السودان لذلك يأمل الناير من الحكومة الانتقالية عبر وزاراتها المعنية بالقطاع الاقتصادي، أن تتخذ خطوات سليمة تحقق المصلحة للبلدين من هذا التبادل ومن ثم تبني عملية فتح المعابر المحدد لها شهر أكتوبر المقبل لتدشين التبادل، بحسب الاتفاق المسبق بين الدولتين الذي اتفق عليه الطرفان على التبادل، وأيضاً على العدالة لافتاً في السياق ذاته إلى أهمية ضبط الحدود من خلال الأجهزة المعنية التي تمنع وتقضي على التهريب الذي قال، بأنه اللاعب الأساسي في تخريب الاقتصاد السوداني بصورة كبيرة .

رأس الانطلاق:
القرارات التي أصدرها الوزير في أغسطس الماضي شملت أيضاً مراجعة الضوابط المتعلقة بهذا التبادل من بينها الزيارة الميدانية المرتقبة للوقوف على الجاهزية بمنطقة الجبلين التي تشكل رأس الرمح لعبور التبادل التجاري كمحطة لتخليص الجمركي، إلى جانب كل من الرنك والميرم وانجوم مروراً بمنطقة برام وتمساح وخرسانة وبانكونج وهي مناطق حدودية بين الدولتين، تمر عبرها الناقلات لهذا التبادل التجاري الذي حددت انطلاقته في أكتوبر المقبل.
من جانبه أقر الكاتب الجنوب سوداني والإعلامي زكريا نمر، في حديثه بأن دولة جنوب السودان عانت وضعاً اقتصادياً بالغ الصعوبة عندما أوقف السودان التجارة مع جنوب السودان، وهو ما دفع الأسعار في الولايات الحدودية إلى الارتفاع المتزايد برغم من تمتع الدولة الوليدة بوجود وفرة من الأراضي الخصبة، إلا أن القطاع النفطي كان مصدر البلاد الوحيد للنقد الأجنبي. وذكر في حديثه للحراك أن الحرب تسببت في مزيد من الاضطرابات الاقتصادية والتفكك الاجتماعي في البلد الذي مزقته الحرب والذي يعاني بالفعل من تدهور الأوضاع المعيشية القاسية، مثل مايعاني السودان أيضاً الذي واجه تحديات اقتصادية هائلة أرجعها نمر إلى التركة الثقيلة التي ورثتها حكومة الفترة الانتقالية من النظام البائد، ما أدى إلى استفحال الأزمة الاقتصادية بعد الثورة وارتفعت أسعار الخبز والمحروقات والغاز والدواء والسلع الأساسية.

سوق مشتركة
وثمن نمر خطوة فتح المعابر بأن أهم بنود التبادل التجاري بين البلدين في أنها تشمل جميع المنتجات السودانية، لافتاً إلى الفرص الكبيرة أمام الصادرات السودانية للنفاد لأسواق جنوب السودان لتلبية احتياجات المواطنين الجنوبيين، بدلاً من المنتجات الواردة إليهم من أوغندا وكينيا وإثيوبيا في الأسواق الجنوبية.

جودة دامغة :
وعدد نمر ما يتمتع به المنتج السوداني من جودة عالية وسمعة طيبة إلى جانب القبول الكبير لدى المستهلك الجنوب سوداني، مما يدمغ على المنتجات السودانية جودة تجعله المنتج الأول بالسوق لديهم.

زيادة فرص الاستثمار:
بالإضافة إلى ذلك ينظر نمر إلى ما يعززه فتح الحدود بين البلدين من إنعاش للاقتصاد باعتبار أن السودان سوق قوي وواعد، متمنياً أن تهدف هذه خطوة إلى إنشاء العديد من الاستثمارات سواء كانت صناعية أو زراعية، في ظل وجود النقل النهري الذي يربط البلدين، إلى جانب إنشاء خط سكة حديد يسهم في زيادة التعاون والاستثمارات بين البلدين وهو ما سيتم في مقبل الأيام .

أهمية السودان للدولة الوليدة:
وأكد على أن للسودان أهمية ودوراً في عملية السلام في جنوب السودان والعكس وهو ما يعتبره شيئاً إيجابياً في مراجعة ومتابعة تنفيذ كافة اتفاقيات التعاون المشترك بين البلدين، أيضاً يطمح في إنشاء سوق مشتركة بين البلدين في المناطق الحدودية يساهم في عملية الاستقرار السياسي والسلام، وذلك مما شهدته المناطق الحدودية من توترات سياسية وقبلية في الفترة الماضية يمكن أن يسهم فتح المعابر في تهدئتها.

رتق النسيج بين الشعبين:
فيما يرى الخبير الاقتصادي د.محمد الأمين العجب، أن الاستفادة للبلدين المتوقعة من الاتفاق على فتح المعابر لها عدة أسباب، تتمثل أولاً في إعادة بناء النسيج الاجتماعي إلى عهده الأول والذي قال عنه العجب، بأنه ظل مهدداً كبيراً لخلق التوترات بين علاقة البلدين، وثانيها تكمن في إعادة الاستقرار الأمني والسياسي في مناطق المعابر، إضافة للسبب الثالث الذي يخلق نوعاً من التنمية وذلك عن طريق إعادة النازحين إلى مناطقهم حول المعابر، إضافة إلى السبب الرابع الذي يتمثل في الضرائب التي تعود على البلدين من خلال تبادل السلع والتعريف بحاجة كل بلد إلى الآخر، متفقاً في ذلك مع حديث الناير الذي أمن على تلك النقطة إلى جانب ذكر العجب أيضاً إلى بعد خامس لفتح المعابر قال عنه يمكن أن يسهم فتح المعابر فيه هو إنشاء مناطق تكامل اقتصادي بين البلدين، مختتماً حديثه للحراك بأن كل ذلك سيعمل على الحد من ظاهرة التهريب والتي تضر باقتصاد البلدين، وهي نقطة اتفق عليها الخبيران باعتبارها أهم ثمار يمكن أن يجنيها السودان ودولة جنوب السودان من خلال تقنين التجارة بالمعابر، وسد جشع المهربين الذي يهدم الاقتصاد الوطني للدولتين، ويسهم بشكل فعال في تنظيم حركة التبادل التجاري بين البلدين والتي قال عنها العجب بأنها كأي علاقة بين الدول تقوم على المصالح المشتركة، وهو ما يتمناه الشعبان الذين يرجح الجميع انتصار إرادتهما في إجبار كل من الخرطوم وجوبا بالعودة لفتح المعابر.

تحقيق – بتول الفكي
الخرطوم: (صحيفة الحراك السياسي)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى