تحقيقات وتقارير

انقلاب الثلاثاء الفاشل.. ردة فعل الشارع

عند تمام الساعة السادسة وأربعين دقيقة، قرأ المتابعون لصفحة عضو مجلس السيادة الانتقالي، محمد الفكي، بـ(الفيسبوك) تغريدته التي اختار لها عبارات مقتضبة “هبوا للدفاع عن بلادكم وحماية الانتقال”. كانت التدوينة بمثابة الإعلان الرسمي عن وجود تحركات لتنفيذ انقلاب على الحكومة الانتقالية في السودان، الانقلاب الذي بدأت ملامحه عند كبري الحديد، حين قامت دبابات بإغلاق الكبري أمام حركة المواطنين، مما أكد حقيقة الانقلاب الذي كانت الساعة الحادية عشرة والنصف موعداً لإعلان فشله، بحسب ما جاء في الخطاب الحكومي، عبر لسان الناطق الرسمي، وزير الإعلام حمزة بلول.

1
فشل الانقلاب، بحسب ما أعلنت الحكومة، التي اتهمت فلول النظام البائد بالترتيب له، بينما يتناول هذا التقرير ردود الأفعال التي ترتبت عليه من قبل المواطنين السودانيين.. الحكاية انطلقت من مقر التلفزيون القومي، الذي كتب: (عاجل إحباط محاولة انقلابية، ودعوة المواطنين للتصدي لها)، لكن ردة الفعل الأولى على الانقلاب هي ما أظهره مهندس البث في التلفزيون القومي، علي عمر عبد الوهاب، الشهير بـ(حجو) الذي رفض أن يبث مارشات عسكرية على شاشة التلفزيون القومي، بطلب من ضباط عبروا إلى داخل غرفة البث، عند صباح الثلاثاء الباكر، كان (حجو) وقتها يردد ذات النشيد لا لحكم العسكر، مدشناً أول ردة فعل رافضة لأن ينتهي الامر بثورة ديسمبر إلى حكومة عسكرية شمولية جديدة في سودان ما بعد ديسمبر.

2
لكن ردة الفعل الشعبية التي يمكن التوقف عندها هي ما برز في صفحتي عضو مجلس السيادة، محمد الفكي، ومقرر لجنة تفكيك التمكين، وجدي صالح، بدعوة الرجلين للتصدي للعملية الانقلابية التي سرعان ما وجدت استهجاناً وصل إلي الهجوم العنيف بواسطة معلقين على الصفحات يعلنون من خلالها موقفهم المناهض لسياسات الحكومة الانتقالية، معلنين عدم خروجهم هذه المرة، فقد فعلوها سابقاً، وعجزت القوى السياسية عن حماية مكتسبات الثورة والحكم المدني، وقدمتها على طبق من ذهب للمكون العسكري، في صفحتي وجدي صالح، ومحمد الفكي، ثمة من يعيد عبارة الراحل زين العابدين الهندي قائلاً: (هذه السلطة لو شالا كلب ما فينا البقول ليهو جر)، تحول وقتها الاستفتاء على رفض الانقلاب لاستفتاء حول أداء مدنيي السلطة الانتقالية من قبل الشعب الذي انتهى بأن منحهم درجة الهبوط الكامل، مما دفع برئيس مجلس الوزراء في ظهوره لاحقاً للقول بأن المحاولة الانقلابية الحقيقية والفاشلة هي فرصة ذهبية لمراجعة أداء الحكومة ومؤسسات الانتقال بشكل كامل، والانطلاق من أجل بناء كل الهياكل، وعلى رأسها المجلس التشريعي.

3
المفارقة أنه، في الوقت الذي كانت تتحرك فيه وسائل الإعلام ومحطات التلفزة لمتابعة ما يجري في السودان ولمعرفة تطورات العملية الانقلابية ومآلاتها، كان الكثير من السودانيين خالي الذهن عما يجري، بل إن عدداً لا يستهان به من المواطنين، وهم في طريقهم لأداء أعمالهم لم يكونوا يعلمون عن المحاولة الانقلابية نجاحها أو فشلها، بالنسبة للكثيرين فإن قضايا مثل مدارس الصغار التي فتحت أبوابها يوم الاثنين والحصول على رغيف الخبز وعلى المواصلات تبدو أكثر أولوية من متابعة مشهد الانقلاب وإفشاله، مثله تماماً ومتابعة تفاصيل العلاقة الملتبسة بين مكونات الانتقال مدنيين وعسكريين، رغم أن هذا الأمر من شأنه أن يؤثر على عملية الانتقال والاستقرار بالبلاد على رمتها في تتبع مسارات ردود الأفعال على المحاولة الانقلابية، وفي كونها القضية الأكثر إلحاحاً في السودان أمس. وفي مفارقة بدأت مثيرة للجدل فإن رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، وفي حديثه أمام منسوبي سلاح المدرعات لم تكن قضية الانقلاب هي الرئيسية مقارنة بأوضاع البلاد الاقتصادية المتردية في البلاد، وأوضاع القوات المسلحة، وبالطبع فإن رئيس مجلس السيادة بدأ مهموماً بتقديم محاضرة لقوى الحرية والتغيير، مطالباً إياها بالوحدة كطريق نحو العبور والانتصار.

4
بالنسبة للبعض فإن ما جرى في الخرطوم، هو محض محاولة من قبل الحكومة تهدف من خلالها، وبشكل رئيسي لقطع الطريق أمام حراك الشرق الذي يقوده الناظر ترك، ويسعى من خلاله لتحقيق عددٍ من الأهداف، ردة الفعل القادمة من هناك انطلقت بالأساس على فكرة مفادها أن الانقلاب لن يثني أهل الشرق من تحقيق مطالبهم، وأنه لا تراجع، بينما في شوارع بورتسودان كانت الصورة مغايرة تماماً حيث هبت لجان المقاومة في المدينة في موكب هادر يندد بالانقلاب على السلطة المدنية، ويردد هتافات الشارع (انقلاب ااا وين يا) الرفض الذي انطلقت به حناجر شباب المقاومة في بورتسودان كان أيضاً حاضراً في الجزيرة أبا، وما يذكر هنا أن حزب الأمة القومي كان من أول الأحزاب التي بادرت بإعلان موقفها الرافض للانقلاب عبر بيان، والمشهد أيضاً تكرر في شمال كردفان، وفي عاصمتها الأبيض التي خرج المواطنون فيها يعلنون الموقف الشعبي ذاته، المتقاطع مع الانقلاب في سودان ما بعد ديسمبر.

5
في الخرطوم تتابعت بيانات لجان المقاومة المعلنة التزامها بمدنية السلطة في سودان الثورة، دون أن تتجاوز معادلة انتقاد العجز المدني عن تحقيق التطلعات، وبالطبع ضرورة تحقيق الفصل الكامل بين حكومة مدنية عاجزة عن القيام بأدوارها، وبين أن يحدث انقلاب عسكري يعيد البلاد للخلف وعهود الشمولية، بينما تحدث البعض بأن عدم خروج لجان المقاومة في العاصمة جاء بسبب مطلب من مركزية إعلان الحرية والتغيير، بالبقاء في أماكنها، وذلك بغية فتح الباب أمام المؤسسات العسكرية من أجل مطاردة المتورطين في الانقلاب والقبض عليهم.
بالطبع في ردة الفعل الشعبية يمكن ملاحظة ارتفاع حدة السخرية في وسائط التواصل الاجتماعي مما حدث، وهي سخرية دفعت بالبعض للتحذير منها، معتبرين أن ما جرى لا يعدو سوى كونه عملية (جس نبض) في سبيل التجهيز للانقلاب القادم الذي لن يتأخر وفقاً للمحذرين.
في الوقت الذي بدت فيه شوارع الخرطوم هادئة، وشارع القيادة مفتوح أمام حركة المرور، وعادت الحركة لتنساب على مقربة من مستشفى السلاح الطبي والبرلمان المغلق، بدأت الوسائط صاخبة بمعارك الانقلاب وردود الأفعال حوله.

تقرير – الزين عثمان
الخرطوم: (صحيفة اليوم التالي)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى