تحقيقات وتقارير

مشاركة كيانات مجتمعية وغياب ملاحظ للنساء.. داخل اعتصام القصر الجمهوري بالخرطوم

في خطوة مشابهة لاعتصام القيادة العامة للجيش الذي مهد للإطاحة بحكم الرئيس السوداني عمر البشير، تنفذ جماعة الوفاق الوطني بقوى الحرية والتغيير (التحالف الحاكم) لليوم الرابع على التوالي اعتصاما في العاصمة الخرطوم للضغط في اتجاه حل حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وتوسيع المشاركة في السلطة.

ويجتهد منظمو الاعتصام -الذي تم اقتراحه على نحو مفاجئ بعد موكب جماهيري السبت الماضي- في إعادة مشاهد ذاك الاعتصام التاريخي الذي بدأ في السادس من أبريل/نيسان 2019، قبل أن يتم فضه على نحو وحشي بيد قوات نظامية في الثالث من يونيو/حزيران من العام ذاته.
اقرأ أيضا
انقسامات الائتلاف الحاكم تعصف بالمشهد السياسي في السودان.. ما السيناريو القادم؟

تسهيلات كبيرة

وعززت التسهيلات الكبيرة التي وجدها المحتجون لتنفيذ الاعتصام وعدم اعتراضهم من القوى الأمنية رغم تواجدهم أمام البوابة الرئيسية للقصر الجمهوري؛ مزاعم الدعم القوي الذي تجده جماعة التوافق الوطني من المكون العسكري، حسب ما يقوله معارضوها.

وكان والي الخرطوم أيمن خالد شكا صبيحة السبت الماضي من أن جهات تدعي الانتماء للحركات المسلحة منعت سيارات تابعة لمحلية الخرطوم من وضع حواجز إسمنتية لتأمين المواقع السيادية، وفقا لما هو معمول به عند الإعلان عن حشود جماهيرية، إذ اضطرت السيارات للمغادرة من دون وضع الحواجز، ليكون بالتالي المكان مهيأ للاعتصام، وهو ما حدث بالفعل؛ فسرعان ما تم نصب خيام بمواصفات حديثة مع توفير كميات كبيرة من الطعام والتجهيزات الأخرى.

ودفعت المبالغ العالية المصروفة على المشاركين ونقلهم بسيارات وحافلات كبيرة كثيرين لتساؤلات عن مصدر تمويل حراك القصر، وفي أذهان الجميع تطوع مئات من الذين شهدوا اعتصام القيادة بجلب الأطعمة والمياه من مصاريفهم الخاصة، كما تبرعت وقتها شركات غذائية معروفة بتوفير المياه المعدنية والغازية للمعتصمين، الذين كان يصل عددهم إلى عشرات الآلاف.

ولم يتردد عضو لجنة إزالة التمكين صلاح مناع في التلميح إلى أن اعتصام “القصر الفاخر” -وفق وصفه- ربما جرى تمويله من أموال الدولة وشركات الذهب، في اتهام مبطن إلى مدير شركة الموارد المعدنية مبارك أردول، الذي سارع للرد عليه بالقول إنهم لا يديرون الشركة كما تدار لجنة إزالة تمكين نظام البشير، لكن أردول لم يتحدث عن مصدر التمويل بشكل صريح.

نياق وسيارات

ورصدت الجزيرة نت وصول نحو 9 من السيارات الفخمة التي قال أصحابها إنهم قادمون من الولاية الشمالية للمشاركة في الاعتصام، حيث كان في كل سيارة ما بين 8 و9 أشخاص، كما حط في ساحة الاعتصام ليل الأحد وفد من ولاية النيل الأبيض.

وشهد اليوم الثالث للاعتصام وصول مشاركين على متن سيارات مكشوفة عليها ما لا يقل عن 6 من النوق لنحرها وإطعام المشاركين في الاعتصام، الذين يتزايدون مقارنة بالأيام الماضية.

وصوبت قوى الإجماع الوطني (أحد فصائل الحرية والتغيير) اتهامات لجهات مدنية وعسكرية بدعم اعتصام القصر؛ بدءا من التراخي في التأمين، وفتح الشوارع التي مرت بها مواكب السبت، وانتهاء بتسهيل وتيسير الاعتصام والتكفل بتمويل الاستعدادات، وكافة الخدمات اللوجيستية.

وقالت في بيان أمس الاثنين إن “دعاة الاعتصام لم يجدوا غير البسطاء وبائعي أنفسهم بقليل من الجنيهات، لكنهم خسروا الجهات التي راهنت عليهم، وعلى فعاليتهم، في اليوم الموعود، ليكونوا رافعة انقلابهم العسكري على السلطة الانتقالية”.

وتشرف لجنة خاصة على إعداد الطعام بكميات كبيرة للوافدين والمقيمين في الاعتصام، لكن أحد المشرفين على هذه التحضيرات امتنع عن الإجابة على سؤال للجزيرة نت عن مصدر تمويل الأطعمة، واكتفى بالقول “هو رزق ساقه الله”.

وتُشارك في الاعتصام القوى المنضوية في مجموعة الوفاق الوطني، ومنها حركات العدل والمساواة وتحرير السودان والجبهة الثالثة-تمازج والحركة الشعبية المتحدة، إضافة إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي-الجبهة الثورية، علاوة على تيارات أهلية وكيانات مجتمعية.

منصة ومخاطبات

ووضع منظمو الاعتصام منصة أمام البوابة الرئيسية للقصر الرئاسي، التي يصوب منها المتحدثون -ومعظمهم من كوادر الحركات الموقعة على اتفاق السلام المنضوين تحت مجموعة الميثاق الوطني- انتقادات عنيفة للمجلس المركزي بالحرية والتغيير ولجنة تفكيك “نظام 30 يونيو”، متهمين إياهم بارتكاب أخطاء قادت إلى الوضع الحالي.

ويجذب اعتصام القصر بطبيعة موقعه وسط العاصمة الخرطوم المئات، في وقت وصلت فيه أعداد مقدرة من مناطق مجاورة للعاصمة، حيث حطت وفود من ولايات قريبة.

وعلى عكس ما كان يجري في اعتصام القيادة العامة من وحدة هدف المعتصمين الذين ابتدروا إلى التجمع للمطالبة برحيل البشير ورهطه يومها، يشهد اعتصام القصر تباينا في أهداف كثير من مرتاديه؛ بين شاكين من تهميش ومفصولين من خدمة وثالث يريد حل الحكومة، حسب الاستطلاعات التي أجرتها الجزيرة نت.

وفي ما يتصل بأعداد المشاركين فلم يتجاوزوا 3 آلاف شخص في أكثر ساعات الذروة، وهي الفترة التي تسبق حلول الليل. كما يلاحظ بشكل واضح غياب العنصر النسائي من اعتصام القصر مقارنة مع القيادة، حيث كانت مشاركة المرأة فيه بنسبة تتجاوز 60%.

وبقرب البوابة الرئيسية للقصر انتشر عدد من جنود الجيش في حين اكتفت عناصر قليلة من الدعم السريع بالتواجد غرب مقر الاعتصام، وعلى جميع جنبات اعتصام القصر وضُعت أجهزة صوت تبث الأغاني الوطنية.

وكما في مشهد ميدان اعتصام القيادة نفسه، يقف رجال لتفتيش الداخلين إلى المكان، وعلى جنبات شارعي الجامعة والقصر نُصبت عشرات الخيم التي قالت وسائل إعلام محلية إن من وفرها هو فارس النور مستشار نائب رئيس مجلس السيادة، الذي كان عمل على توفير احتياجات اعتصام القيادة العامة، وكان معروفا وقتها بإدارة منظمة طوعية ذائعة الصيت.

وأمس الاثنين رصدت الجزيرة نت وصول مزيد من الخيم والمقاعد وسط توقعات بوصول وفود من ولايات أخرى، بما يرجح تمديد أيام الاعتصام، حيث تحرص قيادات الائتلاف على الظهور ومخاطبة المحتشدين؛ فكان أمس الاثنين من نصيب رئيس حركة تحرير السودان حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، بعد أن سبقه يوم الأحد رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم وآخرون، وهما من أبرز مكونات مجموعة الميثاق بقوى الحرية والتغيير.

انسحاب وتبرؤ

وكان حزب البعث السوداني قرر -في بيان صدر الأحد الماضي- الانسحاب من المشاركة في الاعتصام رغم توقيعه ميثاق التوافق الوطني، قائلا إنه عمل بجد للعودة بالائتلاف الحاكم إلى منصة التأسيس وتوحيد قوى إعلان الحرية والتغيير، لكنه لفت إلى ملاحظات جوهرية قال إنها جرت في منصة الميدان، وما تلا ذلك من الإرباك الذي تم في إعلان الاعتصام، وهو أمر لم يتم الاتفاق عليه، قبل أن يتحدث عن اختراق كبير صاحب انتظام المعتصمين.

كما قالت كيانات قبلية إن ظهور بعض منسوبيها في مكان الاعتصام لا يمثلها، وقال ناظر عموم الفلاتة محمد الفاتح السماني في بيان إنهم “لن يهزموا الثورة”، وإن نصب مجموعة من أبناء القبيلة خيمة في اعتصام القصر ليس سوى انتحال لن يتم السكوت عليه.

كما نفت قبيلة المغاربة (شرق النيل) المشاركة في هذا الاعتصام، وقالت إن الصور المتداولة في هذا الخصوص لا تمثل القبيلة، ولم يحدث أن توافقت مكونات القبيلة على هذه المشاركة، وهي بالضرورة لا تمثل إلا صاحبها.

واتهمت لجنة تسيير اتحاد غرف الصناعات الصغيرة والحرفية جهات تنتحل صفة كيان الحرفيين واستغلاله لخدمة أغراض غير معلومة العواقب والدوافع.

وقالت في بيان إن أجساما غير قانونية تطلق على نفسها “تجمع الحرفيين السودانيين” تشارك في اعتصام القصر، معلنة التبرؤ من تلك المجموعة التي تتحدث باسم الحرفيين، التي ما فتئت تحاول كل مرة اختطاف صوت الحرفيين.

ودعا الاتحاد في بيانه السلطات الرسمية والحرفيين وعامة المواطنين لعدم التعامل مع تلك المجموعة، التي لا تمثل إلا أشخاصها (الذين لا يتعدون أصابع اليد الواحدة)، مؤكدا اتخاذ كافة الوسائل القانونية لملاحقتهم.

الخرطوم : مزدلفة عثمان

الحزيرة نت

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى