الفاتح جبرا

الفاتح جبرا يكتب: خطبة الجمعة

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد عبادَ الله:
لقد شدد الله سبحانه وتعالى في النهي على دماء المسلمين وأموالهم وأعراضِهم، فقال صلى الله عليه وسلم في خُطبةِ الودَاع محذِّرًا من ذلك:
(فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا في بلَدِكم هذا في شهرِكم هذا، وستَلقَون ربَّكم فيسألُكم عن أعمالكم، فلا ترجِعوا بعدي كفّارًا يضربُ بعضكم رقابَ بعض) (رواه البخاري)، نعم أيها المسلمون فإن من أَعظمِ الأمور التي نهى الإسلامُ عنها وشدَّد النكيرَ على فاعِلها بعد الشِّرك بالله هو قتل النّفس المعصومة، فإنَّ هذا إفسادٌ في الأرض كبير، وهو أمر جلَل وجريمةٌ منكرةٌ شنيعة قام الله سبحانه وتعالى بالتحذير منها فقد قال جل وعلا في مُحكَم كتابه: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}. وتوعَّد بعظيم الجزاء على من قتلَ مؤمنًا فقال عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} ، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذر كذلك منها فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لو أنَّ أهلَ السمواتِ والأرضِ اجتمعوا على قتلِ مسلمٍ لأكبَّهم الله جميعًا على وجوههم في النار) (رواه الترمذي وصححه الألباني)، ولم يكتفِ الرسول الكريم بذلك بل حذَّر مِن مجرَّد الإعانة على القتل، رُوِي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أعان على قتلِ مسلمٍ ولو بشَطر كلمة جاءَ يومَ القيامة مكتوبًا بين عينيه: آيسٌ من رحمة الله) (رواه ابن ماجة والعقيلي في الضعفاء والبيهقي في السنن) .
عبادَ الله:
ما هذا التساهُلُ في أمر الدماءِ والقتل الذي نراه هذه الأيام ؟ لقد أخبرنا الصادقُ المصدوق خبرًا يُوجِبُ الحذَرَ والخوف من الله، فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنّ بين يدَي الساعةِ الهرج)، قالوا: وما الهرج؟ قال: (القتل، إنه ليس بقتلِكم المشركين، ولكن قتل بعضِكم بعضًا، حتى يقتل الرجلُ جارَه، ويقتل أخاه، ويقتل عمَّه، ويقتل ابن عمه)، قالوا: ومعنا عقولُنا يومئذٍ يا رسول الله؟! قال: (إنه لتُنزَع عقول أهلِ ذلك الزمان، ويخلف لهم هباءٌ من النّاس يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء) (رواه الإمام أحمد) .
فكيف بالله يقدم نفر من الناس على القتِل وهم يعلمون بشاعةَ هذا الفعل وفظاعةَ ارتكابه ومقته عند رب العالمين؟ أفلا يتذكَّر هؤلاء القتلة كم نَفس آذيت وكم قَلب أَفزع؛ فهذان الوالِدان المكلومان عَصر الألمُ قلوبَهما وأذاقهما كؤوسَ العَلقم والصبر وهما يفقدان فلذة كبدهما وأَطفالٌ صِغارٌ فقدوا عائلَهم فصاروا في لمحة عين أيتاماً مكسوري الجناح في أيِّ حفرة أردَى هؤلاء القتلة أنفسهم؟! وأيّ ورطةٍ تورَّطوا فيها؟! يقول ابن عمر رضي الله عنهما: (إنَّ مِن ورطات الأمورِ التي لا مخرجَ لمن أوقع نفسَه فيها سفكَ الدم الحرام بغير حلّه)
اللهم آمنا في وطننا هذا، وأجعل لنا ما فيه خير دنيانا وآخرتنا، اللهم اقصم ظهر من يريد بهذا الشعب المسلم الطيب السوء، اللهم أخرجنا من هذه الفاتنة سالمين غانمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، واغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
عباد الله:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ ، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

 

 

 

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى