حوارات

والدة الشهيد مصطفى : إستشهاده حرق قلبي لكنه ماغالي على الوطن وهذه ( …. ) رسالة في بريد من قتله!!

 

حالها كحال أمهات الشهداء ، محروقة الحشا ، تبكي (ود المصران) كما وصفته بأنين لن يفهمه سوى الأمهات ، تصمت أحيانًا ، ثم تنتفض جزعة وتبكيه مرة أخرى ، بكته مع جيرانها ، خالاته ، حفيداتها اللائي كُن يلتفين حولها بمحبة ، ولكنها كانت تنهض مسرعة لإستقبال أصدقائه المعزين ، تحتضنهم وتبكي ، وكأنها تشتم فيهم رائحته.
(صحيفة الجريدة) تمكنت من الجلوس مع والدة الشهيد مصطفى محمد موسى (أسد) الذي استشهد في مليونية الـ30 من ديسمبر جوار السلاح الطبي بأم درمان، الحاجة نفيسة ، في منزلها بالصالحة لدقائق معدودة روت عبرها مسيرة فلذة كبدها الذي وُري الثرى شهيدًا ، فتحدثت عنه بين الحشود المعزية، عن حياته القصيرة ، أمنياته ، علاقته بإشقائه ، وبِها ، ثم يوم أول أمس الأسود.

الخميس الأسود
في طريق عودتها من السوق ، شاهدت حجة نفيسة تجمهر العشرات من الشباب أمام منزلها في منطقة “الصالحة أم درمان” . قالت لنفسها : مصطفى اتشاكل مع منو ؟ فهو معروف بقلبه الحاااار . تقول في حديثها : سألت الشباب وبينهم أصدقائه ، مصطفى اتشاكل مع منو المرة دي ؟ ، فلم يرد عليها أحد ، بل تراجع العديد منهم إلى الوراء ، وصمت من بقى في مكانه. من بين ذلك الصمت تسرب صوت طفلة صغيرة إليها ، قالوا مصطفى (مات) ، ثم تشجع أحد الشباب وتقدم ليؤكد ما قالته الطفلة. تقول : ما قلتا شيء ، ردد لساني إنا لله وإنا إليه راجعون ، ويارب تجعلني من الصابرين ، وصبرتا.

(أسد) لكنه (حنين)
منذ صغره عُرف الشهيد مصطفى بالشجاعة وسخونة القلب ، جاد في حياته ، مدافع عن الحق ، ومحبوب. سألتها عنه ؛ فإسترسلت في الحديث ، أصحابه لقبوه بـ(أسد) لشجاعته ولكنني كُنت أُناديه بـ(الحنين) لقلبه الطيب ، أما أشقائه فلقبوه بـ(كبّا) لصعوبة واجهته في صغره في نطق إسمه. أذكر ـ والحديث للحاجة نفيسة ـ عندما حضرنا من الفاشر لمشاركته تخريجه من الجامعة ، تفاجئنا بالعدد الكبير لمعارفه وأصدقائه ، مصطفى محبوب شديد. تقول ودمعة تغطي وجهها المتعب.

اصابات سابقة
ووفقًا لما ذكرته الحجة نفيسة ، فقد تعرض الشهيد مصطفى لإصابة بالغة خلال فض اعتصام القيادة العامة ، ألزمته الفراش الأبيض بالمستشفى ، ثم منزله لفترة ليست بالقصيرة ، كما تعرض أيضًا لإصابة في قدمه خلال مشاركته في مواكب (25) اكتوبر الماضي.تقول الحاجة نفيسة لـ(الجريدة) : في تمام الساعة (11) صباح أمس الخميس ، طلبت منه عدم الذهاب هذه المرة ، قلتا ليه يا مصطفى “التالتة تابتة” ، لكنه أصر وقال ليّ يمة كان متا بموت شهيد وخرج. ولدي مات شهيدً من أجل وطنه .

رسالة في بريد القتلة
أرادت الحجة نفيسة ارسال رسالة عبر (الجريدة) لقتلة إبنها فقالت : أقول لمن قتل مصطفى ، لستُ نادمة على موته ، ندمان القتلوا ، ما بتلقوا خير في حياتكم ، الله لا كسبكم ، وحق ولدي كما لقيته في الدنيا بلقاه في الآخرة إن شاء الله .تعمل الحجة نفيسة في الشرطة السودانية ، أكدت إنها ستعود لمواصلة عملها الآحد القادم ، لخدمة السودان وأهله ، كما كان يفعل إبنها.

صغير البيت
للشهيد مصطفى محمد موسى (6) شقيقات ، وشقيق آخر مقيم بالشارقة ، والدته تقول إنه أصغر اشقائه ، تميز عنهم بالإقدام ” ما بيقف وراء ، دائمًا قِدام ” تصفه ، كان محبًا للدراسة ، عندما انتبهت لذلك نقلته لمدرسة خاصة تعد من أهم المدارس بالفاشر ، ثم سرعان ما أكمل دراسته الثانوية ، والتحق بجامعة السودان للعلوم والتنكولوجيا.

“ياحجة السماح“
رغم حبه للسودان ، الذي لم يبخل عليه ، بعمره ، ووقته ، فمنذ انتقلنا من الفاشر إلى العاصمة الخرطوم إنخرط مصطفى مع شباب السودان في الثورة ، قرر بعد سقوط النظام الهجرة إلى ليبيا ، جاني قال ليّ يمة أنا داير أسافر ، وياريت لو سافر.
مصطفى بشوش بطبعه ، ضحوك ، مع أشقائه في المنزل ما ندمني في الدنيا خالص ، دائمًا ما يردد عند خروجه من المنزل ، ولو كان خارج لأحد أصدقائه يا حجة السماح.تعود مرة أخرى للحديث عنه.

رصاصة في الصدر
عندما خرج أمس من المنزل في تمام الساعة الحادية عشر صباحًا ، قلتا ليه يامصطفى كان طلعتا بتحرق قلبي ، قال ليّ وإبتسامة تغطي وجهه يمة لو يومي إنتهى ، لو جاء الموت ، أنا مابقدر أقرعوا.تستحضر الحجة نفيسة لحظاته الأخيرة في المنزل ، كانت هُناك حفاظة مياه ، شرب منها ، عاين لي مرتين ، قدمته حتى الباب ، وبرضو عاين لي مرتين ، شال شنطته وطلع ، ولم يعد ، طلع ضاحك بشوش ، جابوه لي جنازة.أصحابه قالوا لي ضربوه طلقة في قلبه ، طلقه في قلبه الحنين ، الله لا كسبكم ، حرقته قلبي علي ود حشاي.

الثورة مستمرة
خرجنا من منزل الأسرة تاركين خلفنا أم مكلومة ، وشقيقات يبكين شقيقهن بحرقة ، والمئات من المعزين ، نساء ورجال ، شيب وشباب ، وأطفال يرددون هُتافات الثورة التي يحفظونها عن ظهر قلب ، وسط نحيب امهاتهن غير مبالين ، وشباب يصرون على مواصلة النضال من حيث إنتهاء مصطفى . “الثورة مستمرة” قالها أحدهم ملوحًا بيديه ونحن على ذات البوابة التي خرج عبرها “مصطفى” ولم يعد.

 

  صحيفة الجريدة
 سلمى عبدالعزيز

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى