تحقيقات وتقارير

فلول البشير تستفيد من تعثر المرحلة الانتقالية في السودان

الأزمة الراهنة تحقق العديد من المكاسب لفلول البشير لأنها كشفت عدم قدرة القوى المدنية على التوافق بشأن إدارة المرحلة الانتقالية.
خفتت حدة المناوشات السياسية بين فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير والقوى الثورية المدنية في السودان منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي الذي سبقه حضور فاعل لرموز النظام السابق على مستوى قيادة اعتصام “القصر” الذي مهّد للانقلاب قبل أن تتوارى انتظارا لحصد المزيد من غنائم تعثر المرحلة الانتقالية.
ويشكل استمرار الارتباك في الشارع عاملا إيجابيا لقوى محسوبة على النظام السابق بعد أن تورطت في أعمال سرقة ونهب للممتلكات العامة تحت مسمّى “مسيرات الزحف الأخضر”، وبدت ساعية للانجراف نحو العنف بما يهدد تماسك المرحلة الانتقالية، وهو ما تحقق في ظل الصراع الذي دخل شهره الرابع بين المكون العسكري والقوى المدنية دون بارقة أمل يمكن البناء عليها لحل الأزمة الراهنة.

وعبّر قرار مجلس السيادة الانتقالي الاثنين بإعادة تشكيل لجنة الاستئنافات الخاصة بقرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو (نظام الإخوان المسلمين) المجمدة، عن سير تطورات الأوضاع السياسية في صالح رموز الفلول، إذ من المتوقع أن تُصدر اللجنة قرارات بعودة المئات من الشخصيات التي صدرت بحقها قرارات عزل من مناصبها.

وقرر مجلس السيادة إعادة تشكيل اللجنة برئاسة رجاء نيكولا عضو مجلس السيادة ويوسف جاد كريم عضو السيادي رئيسا مناوبا وعضوية عدد من القانونيين يمثلون السلطة القضائية ووزارة العدل والنائب العام، ووجّه اللجنة بمباشرة عملها فورا.
ويشير تشكيل لجنة الاستئنافات من دون فك تجميد لجنة إزالة التمكين إلى صدور قرارات بعودة المفصولين وإعادة الممتلكات إلى أصحابها دون وجود قرارات جديدة على مستوى إزالة التمكين مع عدم طرح الأمر للنقاش على مستوى مجلس السيادة ومع رفض الحركات المسلحة والمكون العسكري لطريقة عمل اللجنة السابقة.
وتنظر أحزاب معارضة للانقلاب إلى القرار الأخير باعتباره ردّة على مكتسبات الثورة وأن الأموال والأصول والممتلكات التي صادرتها لجنة إزالة التمكين للحصول عليها بطرق غير مشروعة ستكون عرضة للنهب، ولديها يقين من أن القرار يمهد لعودة سيطرة الفلول على مؤسسات حكومية.
وقبل أيام عاد 100 من موظفي السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية السودانية إلى مناصبهم بأحكام قضائية ألغت قرار لجنة إزالة التمكين الخاص بإقالة العشرات من السفراء والإداريين الدبلوماسيين.

ويرى مراقبون أن الأزمة الراهنة تحقق العديد من المكاسب لفلول البشير لأنها كشفت أمام الرأي العام عدم قدرة القوى المدنية على التوافق بشأن إدارة المرحلة الانتقالية، وأن البشير وعناصر نظامه غير متورطين في جرائم القتل والاستهداف المباشر للمواطنين، وأن المكون العسكري الذي أزاحهم من السلطة ودعم الثورة متورط، ما ستكون له تأثيرات على مستوى سير المحاكمات البطيئة في حق عناصر النظام البائد.

 

صلاح الدين الدومة: فلول البشير تحصد غنائم الانقلاب على السلطة المدنية
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم صلاح الدين الدومة إن نظام البشير ورموز الدولة العميقة يستمران في حصد غنائم الانقلاب على السلطة المدنية وأن الانهيار التام للسلطة يسمح بنهب المال العام وتمرير أجندات الفلول.
وأكد لـ”العرب” أن نجاح الشارع في الإطاحة بالمكون العسكري من على رأس السلطة يقود إلى محو كافة القرارات التي استهدفت إعادتهم إلى مؤسسات الدولة، وأن ما أقدم عليه رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك بعد التوقيع على الإعلان السياسي قابل للتكرار في المستقبل، ما يعني أن الوضع الحالي مؤقت وليس دائما.
ولدى القوى المدنية قناعة بأن رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان الذي أعلن عن رغبته في الحوار الشامل مع كافة المكونات السياسية باستثناء حزب المؤتمر الوطني، يعول على أن تصبح فلول نظام البشير ظهيرا سياسيا يدعم مناوراته للبقاء على رأس السلطة، والاحتماء بالحركات المسلحة وبعض الأحزاب القريبة من المكون لن يكون كافيا حال قرر المُضي قدمًا في مواقفه الرافضة للتنازل عن السلطة.وأشار الدومة إلى أن قيادات حزب المؤتمر تسعى في المقابل لاستخدام أساليب التفافية تدعم عودتها إلى الحكم وتساهم في تقديم يد العون للسلطة الحالية، وأن الاتجاه نحو تأسيس أحزاب جديدة بمسميات مختلفة وتوجهات وأفكار المؤتمر الوطني تعد أحد هذه الحلول التي تسهم في تفتيت أصوات الشارع حال جرى الاحتكام إلى الانتخابات المبكرة، والتي تدعم وصول تلك القيادات إلى الحكم مرة أخرى.
وأعلن القيادي بالحركة الإسلامية عمار السجاد عن اتصالات يجريها عدد من السياسيين والمفكرين المحسوبين على التيار الإسلامي لتكوين حزب سياسي جديد يتجاوز حزبي المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، وسيكون بقيادة جديدة دون مشاركة جميع الشخصيات التي شغلت مواقع دستورية وحزبية في الفترة الماضية.

محمد تورشين: قوى الحرية والتغيير تتحمل مسؤولية جني الفلول لمكاسب

قلل الباحث والمحلل السياسي محمد تورشين من قدرة فلول البشير وحليفهم الأول ممثلا في الحركة الإسلامية على العودة إلى رأس المشهد السياسي، لأن الشارع تجاوز هذه القوى التي لن تجد فرصة للوصول إلى السلطة حال جرى الاحتكام إلى الانتخابات.

وأوضح أن المشهد في السودان يختلف عن باقي دول المنطقة التي يكون فيها الصراع أيديولوجيا بين تيارات يسارية وليبرالية من جانب وتنظيم الإخوان في الجانب المقابل، ففي الحالة السودانية يظل الصراع العرقي ظاهرا إلى جانب الأيديولوجي وبالتالي فإن هناك معايير أخرى تحسم مسألة الوصول إلى السلطة.
وذكر أن جني المؤتمر الوطني لمكاسب حالية أمر تتحمل مسؤوليته قوى الحرية والتغيير لأنها هي من سمحت بوصول الأوضاع إلى ما آلت إليه الآن، إلى جانب أنها تركت العديد من مناصري النظام البائد المتورطين في جرائم وانتهاكات دون محاسبة لاعتبارات مرتبطة بالدم والنسب بين قيادات لجنة التمكين السابقة وبين هؤلاء.
ويذهب متابعون إلى التأكيد على أن تحول لجان المقاومة إلى قوة سياسية تشارك في الانتخابات المقبلة يشكل نهاية لمناورات فلول البشير، باعتبار أن الشارع يتوحد خلف قيادات التنسيقيات التي تقود المسيرات ضد الانقلاب، ما يجعل هناك اتجاها نحو الاصطفاف خلف قوة لديها شعبية حقيقية في الشارع وليست مزيفة.

 

(جريدة العرب اللندنية)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى