منوعات وفنون

أصحاب ولا أعز” بعيدا عن الجدل.. هل يحمل الفيلم قيمة فنية؟

عندما قدم المخرج الإيطالي باولو جينوفيز فيلمه “غرباء بالكامل” (Perfect Strangers) عام 2016 لم يتوقع أن يعاد تقديم فيلمه في 19 نسخة بلغات مختلفة، آخرها النسخة العربية “أصحاب ولا أعز”.

استحوذت نتفليكس على حقوق النسخة العربية التي تم إنتاجها بمشاركة المنتج محمد حفظي، ومن إخراج وسام سميرة في عمله الأول، وبطولة منى زكي وإياد نصار ونادين لبكي وجورج خباز وعادل كرم، في عمل أثار الجدل بشكل فاق كل التوقعات لما اعتبره الكثيرون جرأة شديدة.

ولكن ماذا لو ابتعدنا عن كل القضايا والمشاهد الجدلية التي أثارها “أصحاب ولا أعز” الذي يمثل الإنتاج الأول كفيلم عربي لمنصة نتفليكس، وتناولنا تقييمه فنيا؟ هل يصمد الفيلم أمام النقد؟ وهل هو عمل سيحتفي به صناعه أو مشاهدوه بعد فترة من الزمن؟ السطور التالية تحاول أن تكشف ذلك.

إعادة إنتاج أم دبلجة؟

تدور أحداث فيلم “غرباء بالكامل” و”أصحاب ولا أعز” حول مجموعة من الأصدقاء الذين يتجمعون في منزل أحدهم للعشاء ومشاهدة ظاهرة الخسوف الكلي للقمر، ولتمضية الوقت يبدؤون لعبة يشارك فيها كل منهم ما يصل إلى هاتفه المحمول من رسائل ومكالمات مع الآخرين، باعتبار أن هذا الهاتف هو الصندوق الأسود لكل شخص، والذي يحتوي على كل أسراره، وتحت زعم أن حياتهم خالية من الأسرار يوافقون، ليكتشفوا أنهم لا يعرفون أي شيء عن أقرب الناس إليهم.

ظاهرة إعادة الإنتاج في الأفلام السينمائية ليست مستحدثة أو مقتصرة فقط على تجربة غرباء بالكامل، فكل عام تعرض نسخ جديدة من أعمال كلاسيكية شهيرة، أو حتى حديثة نسبيًا، لكن هناك مخرج آخر أراد أن يقدمها بصورة مختلفة.

في عام 2021 عُرضت كل من “قصة الحي الغربي” (West Side Story) لستيفن سبيلبيرغ و”زقاق الكوابيس” (Nightmare Alley) للمخرج جيليرمو ديل تورو، وكلاهما إعادة إنتاج لفيلم كلاسيكي، المثير في هذه النسخ وما يجعل المشاهدين يقبلون عليها، هو الرغبة في رؤية البصمة الخاصة للمخرج الجديد، والرؤية والقراءة الجديدة للنص السينمائي.

لكن إعادات إنتاج فيلم “غرباء بالكامل” كلها ما عدا استثناءات طفيفة للغاية، أتت كنسخ مدبلجة من الفيلم الأصلي، بل أكثر شبها بترجمة غوغل للنص الأصلي، مستبعدة كل الخلفيات الثقافية والسياقية للمتلقي، مع إخراج يفتقر للبصمة الخاصة ووضع الكاميرا وحتى ملامح الممثلين والممثلات تشابهت من عمل لعمل إلى حد كبير، مما أفقد أي نسخة الطابع المحلي بالبلد الذي ينتج من أجله الفيلم.

رغم أن قصة الفيلم وفق الجزيرة نت، تحتمل الكثير من التغييرات لتتناسب مع طبيعة كل بلد، فالقصص والأسرار والعلاقات التي تربط الشخصيات ببعضها البعض كلها يمكن أن تتغير لخلق صراعات وارتباطات جديدة مشوقة للمشاهد الذي شاهد أيا من النسخ السابقة، لكن الإصرار على نسخ التفاصيل أضر الكثير من هذه الأفلام، لدرجة أن بعضها لم يشاهده سوى جمهور محلي للمقارنة بينه وبين الفيلم الإيطالي، ولم يحصل أي منها على زخم عالمي.

وفيلم “أصحاب ولا أعز” في الحقيقة ليس سوى نسخة مدبلجة من الفيلم الأصلي، لذ

لك يختلف تلقيه من مشاهد يتعرف على القصة لأول مرة، وآخر يعرف كل التفاصيل ولم يختلف بالنسبة له سوى اللغة الخاصة بالفيلم، فشعر بالملل وكأنه يشاهد نكتة معادة لم تعد تضحكه أو تثيره.
المبالغة في كل شيء

في تجربته الإخراجية الأولى قدم “وسام سميرة” عملا يشبه النسخة الأصلية أكثر مما يشبه أي شيء آخر، فلا يمكن الحكم عليه فنيًا بشكل واضح، فالحرية الإخراجية المتاحة له حدودها ضئيلة للغاية، في ظل أيضا صعوبات وحدة الزمان والمكان في الفيلم الذي تدور أحداثه في عدة ساعات بليلة واحدة، وفي منزل واحد، ومحدودية حركة الممثلين، مما يبعث على الملل الذي لا يمكن تقليله سوى بالحوار المثير والأسرار البشعة التي تتكشف.

لكن في الكثير من اللحظات تحولت هذه الإثارة إلى حالة من الهستيريا، وهو الأمر المتوقع في الثلث الأخير من الفيلم مع انكشاف أكثر من حقيقة صادمة عن الشخصيات، لكن للأسف أتت هذه الهيستريا بشكل مبكر للغاية، مع أداء بعض الممثلين غير المنطقي ولا المتناسب مع الشخصية، خاصة منى زكي الزوجة المصرية التي تعاني الإهمال من زوجها، وتحيا تحت شعور عميق بالذنب، وكذلك إياد نصار في دور الزوج الخائن الخائف من انكشاف حقيقته، وأيضًا نادين لبكي في دور الطبيبة النفسية المنهكة بسبب علاقتها الصعبة مع ابنتها المراهقة.

الممثلون الثلاثة لجؤوا للمبالغة في الانفعالات بشكل لا يتوافق مع الشخصيات المرسومة لهم، أو التصاعد المنطقي للأحداث، فبدوا كأشخاص على وشك الانفجار في موجة من الصراخ والبكاء منذ بداية الفيلم، رغم أنهم يتناولون العشاء مع أصدقائهم في ليلة لطيفة.

على العكس تمامًا، عادل كرم وجورج خباز وفؤاد يمين بأدائهم الهادئ في بداية الفيلم الذي بدا متناسبًا مع الشخصيات، وجعل المفاجآت التي يتلقاها المشاهد عنهم في الثلث الأخير من الفيلم أكثر تأثيرًا وثقلًا.

لكن يبقى في النهاية فيلم “أصحاب ولا أعز” هو نسخة مقبولة من فيلم بالأساس متوسط، والغريب أنه حصد انتقادات واسعة أيضا في نسخ مختلفة للفيلم، لا سيما في عنصر الملل الذي سيطر على الأحداث.

ورغم السمعة التي اكتسبها الفيلم الأصلي وشعبيته نتيجة نسخه المتعددة، فإنه ليس إنجازا سينمائيا فائقا يستحق الخلود، بل هو فيلم خفيف بفكرة ذكية تلعب على مخاوف الإنسان نتيجة لكشف المستور وعلاقته المتوترة مع هاتفه المحمول الذي أصبح يحتوي على أدق أسراره التي إن انكشف سترها دمرت حياته.

ولولا جرأة بعض تفاصيل الفيلم بالنسبة للمشاهد العربي أو لو عُرض سينمائيًا ولم يتم قرصنته وتداوله بهذا الزخم والسرعة، لما جذب انتباه الكثير من المشاهدين كأعمال عربية أخرى تمر مرور الكرام ولا يتذكرها المشاهدون سوى خلال أسبوع عرضها.

وحتى بعد هذه الضجة التي صاحبت عرضه على نتفليكس، فلا يُتوقع أن يدوم الفيلم كعمل فني في ذاكرة المشاهدين.

الخرطوم ( كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى