تحقيقات وتقارير

تحركات الدبلوماسيين.. وسطاء أم نشطاء؟

اللواء محمد عجيب: التدخل لا تلام عليه البعثات بل تلام عليه السلطة الحاكمة

صورة قاتمة لمستقبل السودان رسمها دبلوماسيون سابقون وخبراء ومحللون سياسيون مستندين على طول الأزمة السياسية وغياب الحلول في ظل تباري المبادرات الخارجية.ـ على الصعيدين الدولي والإقليمي، تعالت نبرات مطالبة بعدم التدخل الخارجي في الأزمة بين فرقاء السياسة بالبلاد.
والخميس قال مجلس السيادة، إنه استمع لإفادة حول العلاقات الخارجية وأنشطة “مخالفة” للأعراف لبعثات دبلوماسية مقيمة في الخرطوم.
جاء ذلك في إفادة قدمها وزير الخارجية المكلف السفير علي الصادق، خلال اجتماع عقده المجلس، بالقصر الجمهوري في العاصمة الخرطوم، برئاسة عبد الفتاح البرهان، وفق بيان صادر عنه.
وبين مؤيد ومعارض تحركت شوارع الخرطوم تجاه محاولات البعثة الأممية علاوة على تحركات عدد من سفراء الدول الإقليمية منها “جنوب السودان وقطر والإمارات ومصر” لحل الأزمة السياسية.

“بركاوي” البشير
وأعاد جدل البعثات الدبلوماسية إلى الأذهان حادثة “بركاوي” الرئيس المخلوع، عمر البشير في خطابه بافتتاح استاد ربك حينما قال: (السفيرة البريطانية عندما انتهت مهمتها بالخرطوم جات تودعني ودايرة تديني تعليمات وتوجيهات، لكن صرفت ليها بركاوي صاح وندمتها على اليوم الذي ولدت فيه، وهي الجمعت في باريس ناس المعارضة وأدتم تعليمات ودعم)، وفي العهد البائد سجلت دفاتر الدبلوماسية عدداً من صفحات طرد السفراء والبعثات الأممية.
وتعيش البلاد أزمة سياسية طاحنة، إذ يواصل نشطاء معارضون حراكاً احتجاجياً منذ الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، في 25 أكتوبر الماضي، والتي قضت بحل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ في البلاد.
وفي مطلع العام الحالي أطلق موفد الأمم المتحدة الخاص إلى السودان محادثات لحل الأزمة السياسية المتصاعدة بالبلاد هذا ما أثار جدلاً في عدد من الأوساط، رغماً عن تأمينها على أن الوضع الحالي ربما يقود إلى كارثة سيدفع ثمنها الجميع، مما يتطلب جهداً مشتركاً ووقف التصعيد من جانب كافة الأطراف.
وتقول مجموعات معارضة لإجراءات قائد الجيش وأخرى مؤيدة لها إن حل الأزمة يتم عبر حوار داخلي يقوده السودانيون أنفسهم، مشيرين إلى أنهم “لا يعولون كثيراً على المبادرات الخارجية سواء من الأمم المتحدة أو الدول الإقليمية” في وقت يؤكدون فيه أن رفض التفاوض سيؤدي إلى مزيد من التعقيد في الأوضاع.

 

تفعيل القوانين والإجراءات المتبعة دبلوماسياً على “البعثات”
ويرى د. جمال رستم الخبير الأمني والاستراتيجي، أن البعثات الدبلوماسية الأجنبية بالدولة واحدة من أدوات وأذرع العمل الاستخباراتي الفاعلة باعتبارها مصدر للمعلومات للجهات الخارجية ومطبخ لإدارة الأوضاع وتشكيلها من خلال النافذين والنخب السياسية والحزبية، مضيفاً أن السيولة الأمنية وحالة الظروف الانتقالية التي يمر بها السودان فتحت الباب وشجعت كافة الجهات التي لديها مصالح في السودان للتحرك ومحاولة لعب دور يخدم مصالحها وأجنداتها الآنية والمستقبلية، وذلك بغض النظر عن مصالح السودان وأمنه القومي.
ونوه رستم إلى أن اتفاقية فينا في عام 1961م شملت الضوابط التي تضمها وزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات في كل البلدان تحد مناطق وحدود نقاط محددة لتلك الجهات وأهمها الموافقات الأمنية والحصول على الأذونات للتحرك والحصول على المعلومات من قبل الجهات المعتمدة وأن لا يسمح بالتدخل في الشأن الداخلي.
مضيفاً أن تلك التحركات تشكل خطورة وتهديداً للأمن الوطني السوداني، وتخلق حالة من الاضطراب وتفتيت الجبهة الداخلية وزاد: إن ذلك يتطلب من السودانيين الوحدة والحوار والاتفاق وتوحيد الجبهة الداخلية وأن تكون لديهم الثقة في حل مشاكلهم الداخلية للعبور بالفترة الانتقالية بدون مساعدة من الخارج الذي يسعى لتحقيق مصالحه وأجندته التي لا تتوافق مع مصالح السودان .
وأشار في حديثه إلى أهمية تفعيل الإجراءات والقوانين على البعثات الدبلوماسية وفقاً للقانون الدولي والأمن الوطني السوداني وبما يضمن احترام القوانين والأعراف الدبلوماسية وعدم هرولة المنظمات والأحزاب والمجتمع المدني السوداني لتلك البعثات والاستقواء بها ومحاولة حل المشكل السوداني بواسطة السودانيين.

الوظيفة الدبلوماسية وطبيعتها القانونية
ويقول الخبراء إن اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961م هي أوسع نطاقاً خاصة بالنظر إلى عدد الدول المنضمة إليها وبموجب هذه الاتفاقية هناك تأكيد مشترك لمبدأ المساواة في السيادة مع البقاء على استهداف الاستمرار في السلم والأمن الدوليين وتنمية العلاقات الثنائية بين الدول بغض النظر عن أنظمتها السياسية والدستورية والاجتماعية والثقافية والدينية.
لذلك جاء هذا التوافق المشترك بين الدول في العمل معاً بالوظيفة الدبلوماسية نحو آفاق أرحب على أن يتم وضع نظام قانوني منفرد وخاص يكفل الاستقلال اللازم لتحقيق أهداف تلك الدول بشكل متساوٍ ومتبادل.
مع الحرص على التأكيد على أن الوظيفة الدبلوماسية تقوم على ركنين جوهريين هما “التزام الدول بأن تكفل للمبعوثين الدبلوماسيين المعتمدين لديها من الممارسة الكاملة لمهام وظائفهم على إقليم تلك الدولة، وعدم تدخل هؤلاء المبعوثين الدبلوماسيين في الشؤون الداخلية للدولة التي يباشرون فيها وظائفهم الدبلوماسية”.
ويشير رستم إلى أن اتفاقية فينا اهتمت بتحديد وظائف البعثة الدبلوماسية بحيث لا يكون لهذا الموضوع خلاف بين الدول فهناك التزامات وواجبات على البعثة الدبلوماسية وهي تتعلق بمبادئ النظام الدبلوماسي ومنها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المضيفة، وبناءً عليه حددت المادة (3) من اتفاقية فينا وظائف البعثة الدبلوماسية على الشكل التالي “تمثيل الدول المرسلة في الدولة المضيفة، والتفاوض مع حكومة الدولة المضيفة، علاوة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة، واحترام قوانين ولوائح الدولة المضيفة، بجانب عدم استخدام الأماكن الخاصة بالبعثة على نحو يتنافى مع مهمات البعثة الدبلوماسية، وحماية مصالح الدولة المرسلة وكذلك مصالح رعاياها لدى الدولة المضيفة في الحدود المقررة بالقانون الدولي، ومتابعة الأحداث والتطورات في الدولة المضيفة بالوسائل المشروعة ورفع التقارير بشأنها لحكومة الدولة المرسلة، والعمل على إنشاء علاقات ودية وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية بين الدولة المرسلة والدولة المضيفة، أيضاً تنص على متابعة وحل كل المسائل الرسمية التي تُكلف بها البعثة الدبلوماسية من قبل الدولة المرسل إليها أو عن طريقها أو مع أي وزارة أخرى يتم الاتفاق عليها، وعدم ممارسة أي نشاط تجاري أو مهني في الدولة المضيفة وذلك بهدف تحقيق مكاسب شخصية، وعدم استخدام الحصانات والامتيازات المقررة لأغراض غير مشروعة.

تدخل السفراء في الشأن السوداني انتهاك للسيادة والأعراف الدبلوماسبة
ويقول السفير ومدير دائرة الأمريكتين بالخارجية السودانية الأسبق الرشيد أبو شامة إن ميثاق هيئة الأمم المتحدة يمنع الدخول في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مشيراً في حديثه لـ(اليوم التالي) إلى أن هنالك تغيير طرأ على المنظومة الدولية بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت هنالك قوى أحادية تقود العالم هي التي تفرض إرادتها على دول العالم، ولفت إلى أن هذه القوى قررت التدخل في الشؤون الداخلية للدول عن طريق مجلس الأمن عن طريق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وأضاف أن في السودان تم التدخل في الشؤون الداخلية عبر دارفور بغير الطريقة التي كانت معروفة بتدخل قوات أممية بإيعاز من مجلس الأمن إلى محكمة الجنايات الدولية بإرسال قوات إلى مناطق بعينها، وأكد أبو شامة أن التحول الجديد جعل بعض السفارات تتدخل في الشؤون الداخلية لعدد من الدول التي تعاني أزمات سياسية.
ونوه أبو شامة إلى أنه في حال تدخل هذه السفارات في الشؤون الداخلية للدول وبه انتهاك لسيادة الدولة على الدولة المضيفة استدعاء السفير المتدخل في وزارة الخارجية وإنذاره أو طرده نهائياً كشخص غير مرغوب فيه من داخل الدولة هذا العمل من صميم وزارة الخارجية بتولي مثل هذه المهام للحفاظ على سيادة الدولة بمراقبة كل سفراء الدول من التدخل السافر الذي يضر بالبلد وأوضاعه الداخلية.

لوائح وقوانين تضبط العمل الدبلوماسي
وبحسب المتحدثين فإن مبدأ عدم تدخل الموظفين الدبلوماسيين في الشؤون الداخلية للدولة المضيفة أمر أقرته القوانين الدولية واعترفت به وبممارسته وهذا ما أكدته المادة (41) من اتفاقية فينا وأيضاً تتمتع البعثة الدبلوماسية بالامتيازات والحصانات وذلك بموجب القوانين والأعراف الدولية التي تتعامل بها الدول، وهذا المركز القانوني يعطي البعثة الدبلوماسية الحصانة القضائية بصورة استثنائية، ومن جانب آخر لا يعني تمتع أفراد البعثة الدبلوماسية بهذه الحصانات أن يقوموا بخرق القوانين أو الاستهتار بالعمل بها أو التهاون بأنظمة ولوائح البلد المضيف.
ويتابع المتحدثون بالقول: لذلك إساءة استخدام الموظف الدبلوماسي لهذه الامتيازات وتجاوزه لحدود القانون باستناده الى حصانته الدبلوماسية يؤدي بالدولة المضيفة الى طلب طرده من أراضيها باعتباره شخصاً غير مرغوب فيه.
وتنص المادة (25) من اتفاقية فينا على واجبات الدولة المضيفة نحو البعثة الدبلوماسية “لا تقوم الدولة المضيفة بتقديم جميع التسهيلات اللازمة لمباشرة وظائف البعثة الدبلوماسية إلا في حال وجود تعاون وثيق بين الدولة المضيفة والبعثة الدبلوماسية، واذا كان من واجب البعثة احترام قوانين وتشريعات الدولة المضيفة، فإن من واجب الدولة المضيفة القيام بكل ما من شأنه مساعدة هذه البعثة على القيام بمهمتها”.
ويشيرون إلى أن مساعدة البعثة الدبلوماسية على القيام بواجباتها لا يكون بمجرد الاعتراف بالامتيازات والحصانات المقررة لها ولكن بمساعدتها على تجاوز أي مصاعب يمكن أن تواجهها، وأيضاً الاستجابة لكل المطالب التي لا تتعارض مع سيادة الدولة وقوانينها، وأيضاً إجابة الدولة عن كل المذكرات والاستفسارات.

التدخل لا تلام عليه البعثات الدبلوماسبة، بل تلام عليه السلطة الحاكمة
في ذات السياق يقول الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي اللواء متقاعد محمد عجيب: “لا توجد دولة في العالم تتيح لأي شخص سفيراً أو حتى مبعوثاً أممياً التدخل في الشؤون الداخلية لها”.
وتابع في إفادته: “ما يحصل الآن لا يلام عليه هؤلاء السفراء لأ نهم يعرفون جيداً حدود التمثيل الدبلوماسي لهم والخطوط الحمراء للعمل الدبلوماسي لافتاً الى أنه تلام في هذه الحالة وزارة الخارجية غض النظر مكلف أو معين بصفة رسمية”، وأضاف عجيب: “عليه إنها حالة الفوضى التي نعيشها الآن من تحركات بعض سفراء الدول واللقاءات مع بعض السياسيين السودانيين”. وقال أيضاً: أي دولة لابد ان تحترم سيادتها وتجبر كل مبعوث دبلوماسي أو أممي الالتزام بالقوانين والقواعد في العمل الدبلوماسي حتى تحفظ كرامتها وسيادتها بين الدول وتكون دولة محترمة مشيراً الى أن مثل هذه المواقف تحتاج الى قوة الرؤية والقرار والإرادة السياسية للدولة وإنهاء الفوضى الدبلوماسية الحالية.

تقرير – الخواض عبدالفضيل
الخرطوم: (صحيفة اليوم التالي)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى