تحقيقات وتقارير

احتجاز رئيسة مبادرة “لا لقهر النساء” يثير ردود أفعال واسعة

قبيل انتصاف ليل 22 يناير الماضي، اقتحمت قوة مسلحة منزل رئيسة مبادرة “لا لقهر النساء” في السودان، أميرة عثمان، واقتادتها إلى مكان مجهول لعدة أيام، قبل إيداعها لاحقا في السجن.

وتعد أميرة من أبرز الناشطات المهتمات بقضايا النساء وإنصافهن في السودان، في وقت ما زالت فيه المرأة تتعرض لانتهاكات من قوى الأمن الرسمية، لا سيما خلال مشاركتها في الاحتجاجات المطالبة بعودة الحكم المدني ورحيل العسكر.
ا

وعلى الرغم من تقدم طفيف طرأ على حقوق المرأة بعد أحداث الثورة السودانية التي دخلت مرحلتها الانتقالية أبريل2019 وتنسمها قدرا ملحوظا من الحرية في الشارع من دون ملاحقات أمنية بسبب الزي أو الوجود في بعض المناطق العامة، فإن القبضة الأمنية عادت لتشتد حولهن من جديد، خاصة بعد إجراءات قائد الجيش يوم 25 أكتوبر الماضي التي أطاح فيها بالشراكة مع المدنيين وفرض الطوارئ واعتقل نافذين بمن فيهم رئيس الوزراء السابق.
إخفاء قسري

وبحسب محامين وقانونيين، فإن ما تعرضت له أميرة عثمان ومئات آخرين من اعتقال تحفظي يُصنف قانونيا في سياق “الإخفاء القسري” الذي يخالف “الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 2006″، التي صادق عليها السودان يوم 23 فبراير 2021.

وتقول عضوة مبادرة “لا لقهر النساء” تهاني عباس إن رئيسة المبادرة اعتُقلت بموجب أمر الطوارئ رقم 3 الصادر من قائد الجيش، لكنها شددت -في حديثها للجزيرة نت- على عدم وجود أسباب تقتضي احتجاز أميرة، كما لم تُوجه إليها تُهم حتى الآن.

وشاركت عشرات الناشطات، الأربعاء الماضي، في وقفة احتجاجية أمام مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وبعدها سُلم المفوض السامي مُذكرة تُطالب بالإفراج الفوري عن المعتقلين وعلى رأسهم أميرة عثمان أو تقديمها لمحاكمة، إضافة إلى دعوة المفوض لتسجيل زيارة لمعتقلات النساء التي تواجه أوضاعا غاية في التردي.

وتضغط جماعات حقوقية عديدة في اتجاه إطلاق سراح أميرة عثمان، ومن بينها التحالف الإقليمي للمدافعات -تحالف مجموعات عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- الذي أبدى قلقه تجاه الحالة الصحية للناشطة السودانية بما يعرضها لخطر أكبر.

ووثّق التحالف -منذ نوفمبر 2021 حتى 22 يناير الماضي- تصاعدا في الانتهاكات ضد النساء والمدافعات عن الحقوق في السودان، من ضرب وعنف جسدي وجنسي، وأخيرا إخفاء قسري للقيادية في مبادرة “لا لقهر النساء” وعضوات في التحالف.

وجرى اعتقال أميرة بطريقة مُهينة، وفقًا لشقيقتها القانونية أماني، التي قالت إن قوة مسلحة مكونة من نحو 30 فردا، بعضهم كان مثلما، اقتحمت منزلهم ليل 22 يناير الماضي واختطفوا شقيقتها المعاقة بعد إهانة أفراد أسرتها.

وتقول مبادرة “لا لقهر النساء” إن رئيستها المعتقلة “لا تزال تعاني من مضاعفات حادث تعرضت له، يتوجب معه متابعة طبية مستمرة وتناول أدوية”.

وقبل أيام قالت أسرة الناشطة أميرة إنها دونت بلاغا لدى النيابة اتهمت فيه جهات أمنية باختطاف ابنتهم.

وقالت شقيقتها أماني -لمجموعة من الصحفيين- إنهم توجهوا بالبلاغ لقسم الشرطة من دون أن يجدوا تعاونا من الضابط المسؤول الذي أبلغهم أن أميرة محتجزة لدى جهاز المخابرات العامة، لكن الأخير نفى احتجازها لديه قبل أن يعود في وقت لاحق ليبلغهم أن شقيقتهم محتجزة في سجن النساء بأم درمان، غير أن معارف لهم بالسجن نفسه أخطروهم بعدم وجود اسمها ضمن قوائم السجينات اللائي جيء بهن أخيرا.

لاحقا، أفادت أماني -الجزيرة نت- بأن شقيقتها محتجزة بسجن النساء، وأن إدارة السجن طالبتهم بإحضار بعض المستلزمات الشخصية، لكنها رفضت السماح لهم بزيارتها إلا بإذن مكتوب من جهاز المخابرات العامة.

ورجحت أماني -وهي محامية- أن يكون سبب احتجاز شقيقتها لنشاطها في مجال حقوق الإنسان ولجان المقاومة، وكشفت عن موافقة النيابة العامة، بعد يوم واحد من اعتقال شقيقتها، على فتح دعوى جنائية ضد القوة التي اختطفت أميرة -والتي كانت ترتدي زيا مدنيا- بتهم الاختطاف والتعدي الجنائي، لكن مركز شرطة منطقة الرياض لم يُباشر إجراءات التحقيق.

تعرضت أميرة عثمان في العاشر من أغسطس 2017 لحادث إثر انهيار حائط منزل مجاور، مما تسبب لها في كسر بالعنق والجمجمة والظهر، لتبدأ رحلة علاج انتهت في ألمانيا، وأكد طبيبها هناك أنها تستطيع استعادة القدرة على المشي تدريجيا.

وتقول شقيقتها أماني إن الأسرة قلقة على الوضع الصحي لأميرة التي “تحتاج إلى سرير خاص وحمام بمواصفات خاصة”، إضافة إلى متابعة صحية مستمرة من طبيبها المعالج، وهي أمور لا تتوفر لها في المعتقل.

بدأ نشاط أميرة الحقوقي، وفقًا لشقيقتها، منذ أن كانت طالبة في كلية الهندسة بجامعة التقانة، قبل أن تؤسس مع أخريات مبادرة “لا لقهر النساء” التي تولت فيها منصب السكرتير العام، قبل أن تصبح رئيسة المبادرة.

وبسبب نشاطها، تعرضت للاحتجاز الشرطي التعسفي عدة مرات في ظل النظام السابق، كما أصيبت بشق في الجمجمة خلال مشاركتها في الوقفة الاحتجاجية التي نُظمت أمام محكمة في أثناء محاكمة إحدى الصحفيات، حيث قمعت قوى الأمن تلك الوقفة بقسوة آنذاك.

وتصف أماني شقيقتها بـ”صاحبة الشخصية القوية التي تتصدي لكل ما تراه حقا، وهو ما يعرضها لمصاعب شتي، من بينها الاحتجاز الحالي رغم وضعها الصحي الحرج”.

وكانت إحسان فقيري -إحدى الأطباء المشرفين على علاج الناشطة المحتجزة- تحدثت في وقت سابق عن أن الحالة الصحية للمعتقلة تجعلها تعاني من إعاقة جزئية تمنعها من ممارسة حياتها بصورة طبيعية.

وأضافت “نعتقد أن حياتها في خطر”، وناشدت دول العالم والمنظمات الحقوقية التدخل والضغط من أجل حماية أميرة وكل الشباب والنشطاء من عنف الانقلابيين الذي قالت إنه طال كل الشعب السوداني وخاصة النساء.

وانتُخبت أميرة يناير 2021 رئيسية لمبادرة “لا لقهر النساء” التي تأسست عام 2009، وآنذاك كانت تعمل على مناهضة قانون “النظام العام” -أُلغي لاحقا- ودعم ضحايا تنفيذه قانونيا واجتماعيا ونفسيا. وبعد انطلاق الثورة السودانية، أصبحت المبادرة مجموعة ضغط سياسي مدني تعمل على مناصرة حقوق الإنسان والمرأة.

الخرطوم : مزدلفة عثكان

الجزيرة نت

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى