تحقيقات وتقارير

تأزيم العلاقات المصرية –السودانية.. إشارات مختلفة لمصر بعد إغلاق شريان الشمال

دخول لجان المقاومة على خط الأزمة وضع الأهداف السياسية في الصدارة

تحول السلوك الاحتجاجي لبعض المزارعين السودانيين في ولاية الشمال، بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء الذي أدى إلى إغلاق الطريق البري بين مصر والسودان، إلى أداة سياسية توظفها بعض القوى السودانية للضغط على مجلس السيادة من بوابة تفخيخ العلاقة مع القارة السمراء، استنادا لاعتقادها بدعم مصر للمكون العسكري.
وأعلن تجمع مزارعي الولاية الشمالية إخلاء مسؤوليته عن إغلاق ما يسمى بـ”طريق الشمال” الذي يربط الخرطوم بالولاية الشمالية، ويعد المنفذ إلى المعبر البري الرابط بين السودان ومصر في أرقين بمحلية وادي حلفا.
وتم الإعلان عن رفع الحواجز التي وضعت عند نقطتي جسر الحماداب والملتقى في الشمال، وبالقرب من الحدود الجنوبية لمصر، دون أن تؤدي الخطوة إلى استئناف حركة التجارة البرية بين البلدين بصورة طبيعية.

أبعاد اقتصادية للاحتجاجات
علي يوسف: إغلاق الطريق تزامن مع حملة إعلامية استهدفت علاقات الخرطوم والقاهرة
قال المتحدث باسم تجمع مزارعي الولاية الشمالية عثمان خالد “إنهم لا يريدون جر قضيتهم إلى مربع السياسة، لذلك قرروا فتح الطريق، وأتهم بعض الجهات بالعمل على تنظيم عمل مضاد لما يقوم به تجمع المزارعين بإحضار حشود من الخرطوم”.
وأكد موقف المزارعين أن الأبعاد الاقتصادية التي دفعت إلى اتخاذ قرار قطع الطريق لم تعد في صدارة المشهد الاحتجاجي، وأن دخول لجان المقاومة التي تقود حراك الشارع ضد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان على خط ما يوصف بـ”تتريس الطرق” جعل الأهداف السياسية تتقدم.
وعندما لجأ المزارعون لأول مرة إلى غلق شريان الشمال منذ حوالي شهر، كان ذلك ردا على الزيادات التي اتخذتها وزارة المالية بزيادة أسعار الكهرباء بنسبة 400 في المئة، قبل أن تتراجع عن قرارها ويتم فتح الطريق.
لكن الحكومة عادت واتخذت قرارات بزيادات جديدة لم تكن بنفس وتيرة المرة الأولى، لكن تضرر منها بعض المزارعين، بما قاد إلى إعادة غلق الطريق منذ الخامس والعشرين من يناير الماضي.

وطالب المحتجون في الإغلاق الثاني بجملة من المطالب رفعتها لجان المقاومة لم تكن حاضرة من قبل، مثل إعطاء الولاية الشمالية نصيبها من كهرباء سد مروي ومن عائدات التعدين، وإصدار قرار يمنع تصدير أي خام سوداني إلا بعد إدخاله في صناعات تحويلية، وإنشاء منطقة تجارية حرة، ووضع تعامل واحد متفق عليه ملزم لدخول الشاحنات إلى حدود السودان ومصر، حيث تمنع الأخيرة دخول الشاحنات السودانية إلى أراضيها، بينما تنقل شاحناتها البضائع من كل مناطق السودان.
وأوضح رئيس المبادرة الشعبية لتعزيز العلاقات السودانية – المصرية السفير علي يوسف أن إغلاق شريان الشمال يرتبط بتطورات الأزمة السياسية في السودان وانسداد أفق الحل والمواجهة بين المكون العسكري والقوى المدنية، وأن الإقدام على خطوة غلق الطريق جاء تكرارا لخطوة إغلاق الطرق القومية في شرق السودان.
وأضاف السفير السوداني السابق في تصريح لـ”العرب” أن عملية الإغلاق الثاني للطريق تزامنت معها حملة إعلامية مرتبة استهدفت علاقات الخرطوم والقاهرة، وكان لها تأثير سلبي على قطاع كبير من السودانيين، وبدا هناك حديث عن غلق الطريق بشكل نهائي ووقف التجارة.

تأزيم العلاقات المصرية – السودانية
هبة البشبيشي: حالة من الكراهية من بعض السودانيين لمصر خلفها حكم الإخوان لهم
انتشرت مزاعم في السودان حول وجود افتئات على حقوق السودان وشراء لبضائعه بعملات مزورة، وراجت شائعات بهدف تأزيم العلاقة مع القاهرة، وهذا لا ينفي وجود مشكلات في حركة التجارة بحاجة إلى حلها من جانب المسؤولين في البلدين.
وذكر يوسف أن الحملة التي قادتها أطراف سودانية قابلتها ردود فعل مصرية غير رسمية، بعضها استجاب لاستفزازات يمكن وصفها بـ”القبيحة”، صدرت من جهات لديها مصلحة في أن تكون العلاقة بين البلدين سيئة، ما دفع إلى تحركات دبلوماسية على مسارات مختلفة لتطويق الأزمة واحتوائها، كي لا تنعكس سلبا على الشعبين.
وبحث حسام عيسى سفير مصر في السودان مع عضو مجلس السيادة يوسف جاد كريم الأحد العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد أسبوع على إعلان مجلس السيادة انخراطه في محاولات جادة لإعادة فتح طريق شريان الشمال.
ولفت السفير المصري إلى أن اللقاء تطرق إلى تطوير سبل التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وتحديدا العلاقات التجارية والفائدة الكبيرة التي تعود على البلدين منها، في إشارة إلى التباحث حول أزمة شمال الشمال.
وبدا سفير مصر في الخرطوم ساعيا لتصويب الشائعات التي أكدت استفادة بلاده من الطريق دون استفادة السودان منه، مشددا على أن الصادرات المصرية بالنسبة للسودان تتمثل في أدوات وأدوية ومواد كيمياوية وأغذية ومواد البناء والأسمنت والحديد، وغيرها من المواد التي تساعد في دعم الاقتصاد السوداني، كما تساهم الواردات السودانية في دعم الاقتصاد والتجارة بين البلدين.

ونشطت السفارة المصرية في الخرطوم إعلاميا أخيرا لتهدئة الأجواء والرد على المعلومات المثارة بشكل سريع، ما يشي بأن هناك مخاوف حقيقية من انعكاس الاحتقان الراهن على العلاقة مع الخرطوم.
وتبدو أزمة شريان الشمال داخلية واقتصادية، لكنها تحمل ظلالا خارجية وسياسية مهمة، وأن توجيه ضربة للتجارة مع مصر يشكل ضربة موازية للمكون العسكري، لأن السماح بمرور الشاحنات التي تنقل البضائع من الخرطوم إلى الشمال معناه أن الأمور مستقرة أمام الجيش.
وكشفت الباحثة المصرية في الشؤون الأفريقية هبة البشبيشي أن هناك حالة من الكراهية المكتومة من قبل بعض السودانيين لمصر تسهم في خلط الأوراق، وتؤدي إلى استمرار غلق الطريق، وفتح الباب لإمكانية تطور الأزمة إلى مستويات أكبر.
وأرجعت ذلك في تصريح إلى الخلفية العسكرية للنظام المصري، وإدراك المكون المدني في السودان أن القاهرة تتدخل لدعم تشبث الجيش بمواقفه.
وأكدت أن الثقافة العامة لدى بعض السودانيين التي صنعها تنظيم الإخوان، الذي هيمن على مقاليد الحكم في الخرطوم لثلاثة عقود، خلقت حالة من الضغينة، وما زالت تلك الأفكار مسيطرة على عقول البعض، وفي حين تحاول القوى المدنية التخلص من السلطة العسكرية وتخشى من التأثيرات الخارجية، فإنها تدعم استمرارها بهذه التصرفات.
وتكمن أزمة شريان الشمال وحشر القاهرة في إحدى زواياه في عدم معرفة الكثير من السودانيين بطبيعة الجيش المصري الذي تتكون خلفيته من جميع أطياف المجتمع، بعكس الحركات المسلحة في السودان التي تتغذى تركيبتها الرئيسية على روح القبلية.

(جريدة العرب اللندنية)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى