البرهان وكونز.. اتصال هاتفي من خارج “كابينة” بلينكن!!

منذ الـ25 من أكتوبر العام المنصرم، ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تعرب عن انزعاجها البالغ من الإجراءات التي اتخذها القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، والتي أنهى بموجبها تجربة الشراكة مع المكون المدني المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، وحل البرهان على إثرها حكومة رئيس الوزراء المُستقيل عبد الله حمدوك، وهو ذات الأمر الذي قاومه الشارع السوداني عبر الدخول في جدول للحراك الثوري الرافض لهذه الإجراءات والتي اعتبرتها قوى الثورة “انقلاباً” مكتمل الأركان على الفترة الانتقالية وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة، ومن جانبها ظلت الولايات المتحدة تقود المجتمع الدولي والإقليمي عبر المبادرات وتكثيف التواصل مع الأطراف الفاعلة في المشهد السوداني للضغط على المكون العسكري لأجل العودة للمسار الديمقراطي المحكوم بالوثيقة الدستورية، وبذلت الإدارة الأمريكية مجهوداً دبلوماسياً مُقدراً عن طريق مبعوثها لدى القرن الأفريقي وكذلك مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، فضلاً عن السفارة الأمريكية في الخرطوم، وكل ذلك بغية الوصول لحلول جدية للأزمة السودانية تُراعي تطلعات الشعب السوداني الرافض لعرقلة الانتقال وإعاقة التحول المدني الديمقراطي، بيد أن جهود الولايات المتحدة لا زالت تصطدم بإصرار المكون العسكري للاحتفاظ بالسلطة ومواجهة التظاهرات الرافضة لاستيلائه على السلطة بمزيد من العنف والبطش والذي راح ضحيته حوالي 79 شهيد منذ الـ25 من أكتوبر وبحسب إحصاءات رسمية من لجنة الأطباء المركزية في السودان.
(1) الكونغرس الأمريكي..
الإمساك بأدوات العقوبات في مواجهة الانقلاب
في فبراير الجاري، كان السيناتوران الديمقراطي بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي “الكونغرس” وجيم ريتش كبير الجمهوريين بالمجلس؛ طالبا الإدارة الأميركية بمعاقبة الجهات التي تعرقل الانتقال المدني، ومنتهكي حقوق الإنسان في السودان، وهو ذات الأمر الذي دفع “مولي في” مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشئون الإفريقية – وفق سكاي نيوز عربية – للقول بأن الولايات المتحدة أوضحت للقادة العسكريين السودانيين أن واشنطن مستعدة لاتخاذ إجراءات إضافية ضد الجيش إذا استمر العنف. وأضافت ” نعكف على مراجعة مجموعة كاملة من الأدوات التقليدية وغير التقليدية المتاحة لتقليص الأموال المتاحة للنظام العسكري السوداني على نحو أكبر، وعزل الشركات التي يسيطر عليها الجيش، وزيادة المخاطر المتعلقة بالسمعة لأي شخص يختار الاستمرار في الانخراط في نهج (العمل المعتاد) مع أجهزة الأمن السودانية وشركاتها الاقتصادية”. وأشارت المسؤولة الأميركية إلى أنها أوضحت علنا وسرا أن ” العنف الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في مواجهة المتظاهرين السلميين منذ 25 أكتوبر يجب أن ينتهي”. أوقفت الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان. وكان الكونغرس الأمريكي في نوفمبر مشروع قانون ينص على عقوبات تطال الشخصيات والجهات التي تعيق التحول المدني في السودان، وذلك بناء على تفويض الدفاع الوطني الأميركي للعام المالي 2022 والذي أجيز قبل أكثر من شهر. ووفقا لمشروع القرار المقدم من السناتور الديمقراطي كريس كونز؛ رئيس اللجنة الفرعية لتخصيص اعتمادات العمليات الخارجية والخارجية وعضو لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس؛ ستفرض عقوبات على الجهات والشخصيات الفاعلة التي تعرقل الانتقال الديمقراطي بقيادة مدنية وتقوض السلام وحقوق الإنسان في السودان.
(2) السيناتور كريس كونز
محاولة أخيرة مع البرهان عبر الهاتف !!
من قبل قال السيناتور جيم ريش كبير الجمهوريين– وفق رنا ابتر- مراسلة الشرق الأوسط في واشنطن : “قبل انقلاب الـ 25 من أكتوبر، حذرنا الجيش السوداني ألا يتدخل في جهود حمدوك وحكومته، لكن قادة المجلس السيادي، الجنرالين برهان وحميدتي لم يتمكنا من تمالك نفسيهما و خلعوا الحكومة المدنية بالقوة”. وتساءل ريش: “على الرغم من أن الإدارة لم ترد توصيف ما جرى في 25 أكتوبر بالانقلاب، لكن هذا هو ما جرى، وأضاف: “إن العنف الموثق ضد المدنيين قبل انقلاب الـ 25 وبعده يثبت أن الجيش السوداني وحشي ولا يمكن الثقة به، وغير قادر على قيادة الانتقال الديمقراطي في السودان. وعلى الرغم من أننا قد نحتاج للحديث مع البرهان وحميدتي للعثور على طريق يقود إلى استعادة الحكم المدني، يجب أن نحذّرهما”. وطالب ريش الولايات المتحدة باتخاذ قرارات لتحميل الجيش وغيره من معرقلي العملية الانتقالية المسؤولية، وقال: “..هناك مساعي حثيثة للتنسيق بين الحزبين لإقرار مشروع قانون يضمن المحاسبة، ويعيد النظر في المساعدات والسياسة الأميركية تجاه السودان. وبالأمس قالت مراسلة صحيفة الشرق الأوسط بواشنطن، رنا أبتر، أن مصادر في العاصمة واشنطن، أبلغتها أن السيناتور الأمريكي عن الحزب الديمقراطي، كريس كونز، أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيس مجلس السيادة السوداني،عبد الفتاح البرهان، أبلغه خلاله بتأييد الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) لفرض عقوبات فردية تجاه مهددي الانتقال الديمقراطي. وقالت مراسلة صحيفة الشرق الأوسط من واشنطن، رنا أبتر، في مجموعة تغريدات على تويتر، إن السيناتور طالب البرهان بإنهاء العنف القاتل ضد المتظاهرين ومحاسبة المنتهكين لحقوق الإنسان. وشدد السيناتور الأمريكي على ضرورة إجراء إصلاحات كبيرة قبل إقامة انتخابات بالبلاد. ووصفت الأبتر مكالمة الرجلين بالحدث النادر. وزادت: “عادة ما تكون هذه وظيفة وزير الخارجية، ولكن يبدو أن كونز تخطى بلينكن هنا”. واستدركت: “أو أنها خطوة مقصودة بإيعاز من البيت الأبيض كي لا يكون بلينكن في الواجهة”. ولم تنقل الأبتر ردة فعل البرهان على المطالبات الأمريكية.
(3) محاولات بلينكن..
دبلوماسية ناعمة يرفضها السيناتورات
في آخر تصريحات رسمية بشأن السودان، بمناسبة أعياد الاستقلال في مطلع يناير المنصرم، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن “الولايات المتحدة تشارك شعب السودان في الاحتفال بمرور 66 عاما على الاستقلال”. وأضاف في بيان صحفي، أن واشنطن كانت على أمل أن يوفر عام 2021 فرصة للشراكة مع سودان ديمقراطي، لكن استيلاء الجيش على السلطة في أكتوبر والعنف ضد المتظاهرين السلميين يلقى بظلال من الشك على المستقبل. وأكد أن الولايات المتحدة لا تريد للسودان “العودة إلى الماضي” ومستعدون للرد على من يسعون إلى عرقلة تطلعات الشعب السوداني إلى حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية، من خلال المساءلة والعدالة والسلام. وأعرب بلينكن عن إعجابه بشجاعة “أولئك السودانيين الذين نزلوا مرارا وتكرارا إلى الشوارع للمطالبة بأن تسمع أصواتهم وأن يحقق قادتهم مستقبلا آمنا ومزدهرا”، مشيرا إلى الولايات المتحدة تعترف بالتضحية التي قدمها أولئك الذين فقدوا أرواحهم في البحث عن الحرية. وأشار إلى “أنه هناك طريق للمضي قدما”، مطالبا قوات الأمن بالتوقف الفوري عن استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين واتخاذ إجراءات لمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. وطالب بلينكن قادة السودان بإحراز تقدم سريع في تشكيل حكومة ذات مصداقية، وإنشاء مجلس تشريعي، وتشكيل هيئات قضائية وانتخابية، ونقل قيادة مجلس السيادة. وشدد على أن موقف الولايات المتحدة واضح من الوقوف إلى جانب الشعب السوداني ونضاله السلمي من أجل الديمقراطية، مؤكدا أن واشنطن تتطلع إلى العمل مع السودان في انتقال ديمقراطي حقيقي يحركه الناس، متمنيا للشعب السوداني عام ينعم بالسلام والازدهار في المستقبل. وأقر مراقبون وخبراء إستراتيجيون بأن دبلوماسية بلينكن لم تجد قبولاً كبيراً وسط نواب الكونغرس الأمريكي في ظل جمود المشهد الانتقالي في السودان، وفي ظل تنامي العنف من قبل السلطات وإصرار الثوار على مواصلة حراكهم الثوري الرافض لأية تسوية تُبقي على العسكر في السلطة، وأشار مراقبون إلى أن اتصال السيناتور كريس كونز بالبرهان يشير إلى أن الكونغرس لم يعد يرى مبرراً لاستمرار النهج الدبلوماسي الناعم الذي يقوده بلينكن ومساعدته في الشؤون الأفريقية مولي في حول مستقبل العملية الانتقالية في السودان، ولهذا كان اتصال كونز بالبرهان وفقاً لآراء أخرى يُشير إلى النواب الأمريكيين انخرطوا فعلياً في خطوات أخرى جادة في إرسال رسائل تحذيرية مباشرة للقادة العسكريين في السودان بأن العقوبات الفردية ليس مزاحاً وإنما هي قد تصبح أمراً واقعاً في حال عدم تقديم العسكريين لتنازلات تنتهي بموجبها الأزمة السياسية الراهنة في السودان، ويعود وفقها المسار الديمقراطي لوجهته التي اندلعت لأجلها ثورة ديسمبر.
تقرير – عبد الناصر الحاج
الخرطوم: (صحيفة الجريدة)