تحقيقات وتقارير

وزارة الخارجية.. تفاصيل أزمة من الداخل

 

وزارة الخارجية تعد واحدة من أكثر الوزارات التي تعاني أوضاعاً “معقدة” بحسب المراقبين لتطوراتها، وتحتاج لجهود جبارة لمعالجتها. إذ إنه وإلى جانب عملية ترتيب البعثات الخارجية التي بدأت الآن فإن إعادة هيكلة الوزارة أصبحت أمرًا حتميًا، خصوصًا وأن تطاول الأزمة المالية، وعدم إجراء ترقيات فضلًا عن تكدس العشرات من السفراء كلها مشاكل حقيقة تعاني منها الوزارة.

فائض سفراء:
رغم أن التقديرات تشير إلى وجود نحو 251 ممن هم في درجة السفير بعد قرار قضائي قضى بعودة نحو ٤٩سفيرًا فصلتهم لجنة إزالة التمكين، إلا أنه وبعد مرور نحو ثلاثة أعوام من سقوط نظام البشير تبدو خطوات معالجة السفراء بطيئة، فكثير من البعثات الخارجية بلا سفراء ويديرها دبلوماسيون، ومرد هذا لعدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منه البلاد حتى الآن..
وبحسب الوقائع يبدو أن تكدس السفراء ربما كان نتاج لقرار وزير الخارجية الأسبق علي كرتي برفع سن المعاش إلى 65 سنة، لكنه فى المقابل لم يستغل الفرص المتاحة لاستيعاب هؤلاء السفراء رغم وجود خيارات عدة لهم، كالانتداب للعمل فى الوزارات والمؤسسات الحكومية أو المنظمات الدولية والإقليمية، لذا صار أمرًا اعتياديًا وجود سفيرين فى البعثة الواحدة على الرغم من قرار أصدره الرئيس المخلوع بمنع ذلك، أو ترشيحهم في حصة ونصيب السودان في المنظمات الدولية والإقليمية حيث لم يتمكن النظام البائد وفي ظل”الفيتو الناعم” الذي يرفع في وجه سفرائه من قبل بعض الدول الغربية المانحة والداعمة لتلك المنظمات التي ظلت ترفض وجود سفراء سودانيين فى مناصب رفيعة داخل تلك المنظمات باعتبارهم جزءًا من نظام الخرطوم البائد. وسبق أن خسر السودان منصبًا مهمًا ليناله منافس للسودان وهو فى درجة “وزير مفوض” على الرغم من ترشيح الخارجية “سفيرًا” ويلاحظ أنه وفي الإيقاد وحدها مثلًا يوجد نحو “100” دبلوماسي من الجنسية الكينية ومن إثيوبيا يوجد نحو “80” في وظائف مختلفة.
كما يلاحظ أنه وبعد انتهاء فترة عمل كل من أميرة الفاضل بمفوضية الشؤون الاجتماعية بالاتحاد الإفريقي والسفير كمال علي بالجامعة العربية لم يتمكن السودان من تقديم أي مرشحين حتى الآن بعد فشل مرشحتين من المنافسة لمناصب مفوضيات الاتحاد الإفريقي، ويتوقع أن يتزامن فتح أبواب التنافس لمناصب الجامعة العربية خلال شهر مارس المقبل مع موعد انعقاد القمة العربية للجامعة.

الهيكلة أولا
السفير الرشيد أبو شامة يعتبر في حديثه لمصادر مطلعة أن حل مشكلة وزارة الخارجية يكمن في إعادة هيكلتها وبعثاتها في الخارج.. ويشير إلى أن الوضع الاقتصادي في السودان معلوم للجميع، وهو وضع يجب أن يرتب وفقًا للأولويات بالخارجية وأهمها تقليص السفارات والأطقم الدبلوماسية.
وفى السياق نبه مصدر دبلوماسي رفيع إلى أن نحو ٩٠% من السفارات ظلت بلا مرتبات لنحو عامين، ويلفت إلى أن الجانب الإيجابي فى عدم تسمية سفراء لبعض المحطات أسهم في إبقاء الأزمة المالية لتلك البعثات فى حدها المعقول على الأقل في البعثات ذات التكلفة الأقل، إذ إن ٦٠% من تلك الاستحقاقات كان يستهلكها السفراء. ويضيف أن ميزانية أحد السفراء في إحدى الدول من (مرتبه وإيجار منزله وأنشطته الأخرى) يصل لنحو (٢٥) ألف دولار في الشهر وهذا المبلغ يكفي لتغطية مرتبات العمالة لنحو ٩ أشهر، خاصة وأن العمالة المحلية واحدة من أهم هواجس البعثات إضافة إلى حقوق المؤجرين، مشيرًا إلى أنه حاليًا وفي ظل غياب رؤساء الكثير من البعثات يتم توظيف ما يوجد من مال في تصريف أعمال السفارة، وأضاف: “عمومًا يختلف الصرف من بعثة لأخرى والسفير لديه ميزانية مفتوحة” ويردف إذا كان هناك طاقم دبلوماسي جيد فلا داع لوجود السفير في ظل هذا الوضع المادي المأزوم أضف لذلك فإن بعض السفارات كانت تلجأ فى السابق إلى أسلوب (الاستلاف) من السفارات الإيرادية مثل سفارات الرياض وجدة وأبو ظبي وبكين والقاهرة بتوجيه من الخارجية على أن يتم خصمه من ميزانية السفارة بعد انفراج الأزمة، واستدرك: لكن للأسف هذا النهج لم يعمل به الآن وفي ظل تفاقم أزمة النقد الأجنبي للحكومة.

تأخير وتراكم:
وعلمت المصادر أن الأمر الآخر الأكثر تعقيدًا بالوزارة السيادية هو عدم إجراء “الترقيات ” خلال تعاقب ثلاثة وكلاء على الوزارة، وحاليًا يوجد بالوزارة عدد من من السكرتيرين الثوالث الثواني والأوائل، ويقدر عدد السكرتيرين الثوالث بنحو”70″ و”60” من السكرتيرين الثواني، وذات الرقم هو عدد السكرتيرين الأوائل بالخارجية، ويرجح أن يكون عدد المستشارين نحو “70” مستشارًا والكوادر الوسيطة نحو 150 كادرًا وسيطًا.

إعادة ترتيب:
في ظل إعادة الترتيب التي تقوم بها وزارة الخارجية لبعثاتها بالخارج تنتظر العشرات من السفارات والقنصليات تسمية رؤساء لهم، إذ إن معظم سفارات السودان المهمة بلا سفراء خاصة وبعد قرارات اتخذها قائد الجيش وقتذاك الفريق عبد الفتاح البرهان بإعفاء عدد من السفراء الذين أعلنوا اعتراضهم على قراراته التي اعتبروها انقلابًا على الحكومة المدنية، أبرزهم سفراء السودان في فرنسا، إيرلندا. واشنطن، نيويورك، لندن، النرويج، هولندا، بلجيكا، سويسرا، جنيف، فينا، موسكو، بكين، جنوب إفريقيا، برلين والسويد. فيما ظلت بعض السفارات بدون سفراء لنحو عامين أبرزها، المغرب، أسمرا، دبي، ، باكستان، ، ماليزيا، تايلاند، إنجمينا، الهند، اليونان، روندا، دمشق، بنغازي.

عودة المفصولين:
قضى قرار قضائي بإعادة العشرات من السفراء والدبلوماسيين الذين فصلوا بقرار من لجنة إزالة التمكين قبيل تجميدها عقب انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر.

عودة هؤلاء المفصولين
الذين استلموا خطابات رسمية من الوزارة للعودة لعملهم تحتاج عودتهم إلى معالجات عاجلة أولها إجراء الترقيات لفك الاختناق مع إجراء التنقلات الخارجية، وإلا فإن العائدين لن يجدوا مكاتب ليجلسوا فيها.

المهمة الصعب:
تنتظر وزارة الخارجية مهمة بالغة الصعوبة إذ إنه وبعد قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر وإعلان المجتمع الغربي إدانته للخطوة وإيقاف الدعم المالي الذي تعهد بتقديمه لحكومة الانتقال بقيادة مدنية، ينتظر من الخارجية قيادة مواقف دبلوماسية تعيد على الأقل ذلك الدعم وتخفف من محاولة إعادة السودان لمربع الحصار الدولي وخنقه بالعقوبات الاقتصادية فضلًا عن إنهاء تعليق السودان في الاتحاد الإريقي.

تقرير – سوسن محجوب
الخرطوم: (صحيفة السوداني)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى