تحقيقات وتقارير

المشاورات الأممية في السودان.. تأثير الصراع “الروسي الغربي”

أنهت بعثة الأمم المتحدة في السودان الجولة الأولى من المشاورات السياسية، بينما لازالت الأزمة تراوح مكانها، وسط مخاوف من انعكاسات سالبة للصراع “الغربي الروسي” على العملية لانقسام الأطراف السودانية بين المحورين الدوليين، وفقما يرى محللون سياسيون.وخلال شهرين من المشاوات واجهت العملية التي تقودها الأمم المتحدة عقبات متعددة، وبدأ رئيس البعثة، الألماني فولكر بيرتيس، غير مرحب به من المكون العسكري، الذي تظاهر أنصاره أكثر من مرة أمام مقر بعثة “يونتامس” مطالبين بطرده وإنهاء ما اعتبروه تدخلاً في الشؤون الداخلية للسودان.

 

وقالت مصادر سياسية، إن فولكر لم يتسلم رؤية مكتوبة من المكون العسكري على غرار بقية الأطراف التي ذهبت إلى مقر البعثة واجتمعت مع فولكر وسلمته مقترحاتها مكتوبة.

وأوضحت أن فولكر اضطر للذهاب إلى القصر الرئاسي أكثر من مرة ومقابلة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان حميدتي، لأجل أخذ رؤية المكون العسكري حول حل الأزمة، دون أن يتجاوبا معه لأن العسكريين يرون أن ما يقوم به المبعوث الأممي تدويلاً لقضية داخلية تخص السودانيين.

وأشارت إلى أن “البرهان وحميدتي، صرحا أكثر من مرة حول ضرورة أن يلتزم رئيس البعثة الأممية بدور المسهل في عملية المشاورات لا أن يلعب دور الوساطة، على الرغم من أن فولكر أكد منذ البداية أنه لن يقدم مقترحات جاهزة للحل وإنما يستمع للسودانيين ويسهل جلوسهم مع بعض في طاولة مستديرة للاتفاق على الحل”.

فشل المشاورات

وقبل يومين أعلنت البعثة الأممية في السودان، عن انتهاء المرحلة الأولى من عملية المشاورات، وقدم فولكر تقريراً يحمل ملخص النتائج، متحدثاً عن مرحلة ثانية من المشاورات تنطلق في مقبل الأيام، لكنه لم يشر إلى ملامح تلك المرحلة وما الدور الذي يمكن يلعبه خلالها.

وقال فولكر في تقريره إن البعثة عقدت 110 اجتماعات  استمعت خلالها إلى رؤى أكثر من 800 مشارك، كما تلقت 80 أطروحة مكتوبة من جهات سياسية، خلال المرحلة الأولى.

وقال المحلل السياسي، الرشيد محمد إبراهيم، لـ”الحراك السياسي” إن الوقائع والشواهد تشير إلى فشل مشاورات البعثة الأممية في تحقيق أهدافها في حل الأزمة السياسية بالسودان، من خلال جمع الأطراف المختلفة في طاولة للحوار، مؤكداً أن لا نتائج مرجوة منها خلال المرحلة المقبلة.

 

وأشار إلى تباين الآراء وسط الأطراف السودانية من مبادرة البعثة الأممية، حيث يرى المكون العسكري أن فولكر بدأ أقرب للمدنيين وتجاهل منح التقدير للعسكريين، مشيراً إلى أن فولكر بدا محبطاً مما وصل إليه بعد شهرين من المشاورات، وظهر كأنه يريد الانسحاب التدريجي من المشهد.

وأكد إبراهيم أن المبعوث الأممي إذا استمر على حصر مهمته في دور المسهل ستظل الأوضاع كما هي عليه، وإذا ذهب إلى دور الوسيط قد يجد نفسه طرفاً في الأزمة وسيصطدم حينها بالمكون العسكري الرافض لهذا الدور، وربما ينتهي به المطاف مطروداً من البلاد.

وأوضح الرشيد محمد إبراهيم أن البعثة الأممية تحظى بتأييد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، واللذان يضغطان على الأطراف السودانية للعودة إلى مسار الانتقال المعطل بعد إجراءات قائد الجيش في 25 أكتوبر الماضي.

 

صراع “روسي غربي”

ورحبت مجموعة دول “أصدقاء السودان” في بيان أصدرته يوم الخميس، بتقرير البعثة الأممية الموجز عن المشاورات مع السودانيين حول الأزمة السياسية، ودعت “جميع أصحاب المصلحة المعنيين” إلى الانخراط في المرحلة التالية من العملية التي تقودها بعثة “يونيتامس” لحل الأزمة في البلاد.

وتضم مجموعة “أصدقاء السودان” كل من “كندا، فرنسا، ألمانيا، الكويت، هولندا، السعودية، إسبانيا، السويد، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي”، وتسعى هذه المجموعة لدعم وإنجاح الانتقال الديمقراطي في البلاد.

وأكدت المجموعة في بيانها التزامها بدعم تطلعات الشعب السوداني إلى سودان حر ديمقراطي سلمي ومزدهر، وأضاف أن “توفر نقاط التوافق يعد أساساً مهماً لبذل المزيد من الجهود من قبل جميع الأطراف السودانية للتوصل إلى تفاهم مشترك للمضي قدماً، من خلال الاتفاق على أساس دستوري وقانوني جديد وترتيبات حكم الفترة الانتقالية المتبقية لحين قدوم الانتخابات”.

ورغم انشغال أغلب دول مجموعة أصدقاء السودان بالغزو الروسي لأوكرانيا هذه الأيام إلا أنها لم تنسَ  ما يجري في السودان، ما يدل على اهتمام الغرب بإبقاء السودان في جانب صفه وسط مخاوف من صراع محتمل مع روسيا، ذلك ما يقوله الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، خالد الفكي.

 

وقال الفكي: “أعتقد أن أي محاولات لفتح الطريق أمام الروس ستضع السودان أمام عقوبات جماعية وفردية قاسية وتغلق البلاد أمام المجتمع الدولي مجدداً”، مؤكداً أن التحالف الدولي بقيادة أمريكا سيقطع الطريق أمام روسيا داخل العمق الأفريقي وخاصة السودان.

وأضاف “في ظل الصراع الدولي والإقليمي يبدو أن المشاورات الأممية بالسودان ستحظى باهتمام متعاظم خاصة بعد الصراع الأمريكي الروسي ومحاولات الهيمنة الدولية على منطقة القرن الأفريقي، وقد يشكل ذلك نقطة تحول ودافع جديد لمنح هذه المشاورات زخماً لتسريع الإيقاع وإدراك ركائز المسار الديمقراطي والحريات العامة”.

ويرى الفكي أن خلافات المدنيين والعسكريين في السودان، انعكاس للخلافات بين “الغرب وروسيا”، حيث تقف القوى المدنية في صف الدول الغربية ما يجعلها متوافقة مع مبادرة فولكر، بينما يبدو المكون العسكري الأقرب للمحور الروسي، ما يجعله غير مرحب بما يقوم به في السودان.

وأنهى الأربعاء الماضي نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان حميدتي، زيارة إلى روسيا امتدت لتسعة أيام، وسط تحذيرات للمعارضة من تدخلات روسية في شؤون البلاد الداخلية، خصوصاً الدعم المستمر لسلطة الانقلاب ضد رغبات الشعب السوداني، حسب بيان صحفي.

 

ويعتقد خالد الفكي أن فرص نجاح مشاورات البعثة الأممية لازالت قائمة، سيما وأن أغلب الأطراف المدنية سلمت فولكر رؤاها بشأن خارطة الطريق للحل السياسي وتمكين المدنيين من السلطة.

وأضاف أن “الملامح تشير إلى إعادة الشراكة بين العسكريين والمدنيين مع التوافق على خارطة طريق تنتهي بإقامة انتخابات عامة”.

وأطلقت بعثة الأمم المتحدة بالسودان “يونتامس”، في 8 يناير الماضي عملية مشاورات سياسية شارك فيها القادة العسكريون السودانيون والأحزاب السياسية وجماعات أخرى، بهدف إنهاء أزمة تسبب بها انقلاب أكتوبر.

ونجحت وساطة الأمم المتحدة، في الأسابيع التي أعقبت الانقلاب، في إعادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، لكن استقالته فيما بعد ذلك، عمقت حالة عدم اليقين بشأن المستقبل السياسي للسودان، والانتقال نحو الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2023.

وكانت قوى ”الحرية والتغيير“ اقترحت توسيع مبادرة الأمم المتحدة بالسودان، بضم كل من الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا، إلى جانب تمثيل لدول الجوار الأفريقية والعربية التي تجمعها مصالح مشتركة مع السودان، على أن تتولى الأمم المتحدة عبر ممثلها في الخرطوم ”مقررية الآلية“.

 

تقرير – أحمد حمدان

الخرطوم: (صحيفة الحراك السياسي)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى