تحقيقات وتقارير

الأزمة الاقتصادية .. وزيادة معدل الجريمة!!

“عبد الله الرمادي”: روشتة النقد الدولي سبب الظواهر الاجتماعية السالبة
استشاري نفسي: الضغوط الاقتصادية تقود إلى”شرب الخمر” والمخدرات رفضاً للواقع المعيشي
الشيخ “هاشم عبد الحكيم”: الضرورات تبيح المحظورات

 

مع تفاقم الأزمة الاقتصادية بالسودان، انتشرت عدد من الظواهر السالبة وازدادت معدلات الجريمة بالعاصمة الخرطوم، وأجمع خبراء استطلعتهم (اليوم التالي) على أنّ تردي أوضاع المواطنين الاقتصادية كان له أثر كبير في تفشي الجريمة في المجتمع، وأن المجتمع السوداني أصبح يشهد جرائم غريبة عنه فيما يرتبط معظمها بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي للأسر.

ويذهب البعض إلى أن غياب الأمن ساهم في زيادة الجرائم، وأشار إلى أن هنالك أسباباً أخرى تتعلق بغياب الوازع الديني والأخلاقي وتغير مفاهيم المجتمع، وكانت الجرائم التي تقع على الأموال هي التي تجد النسبة الأكبر دائماً.

ويؤكد المختصون أن هناك علاقة بين انتشار الجريمة والظروف الاقتصادية للمجتمع، خصوصاً فيما يتعلق بمشكلتي الفقر والبطالة، ولإلقاء الضوء على هذه القضية استطلعت (اليوم التالي) عدداً من المختصين لتقليل تلك المخاطر.

رفع الدعم
حذر الخبير الاقتصادي دكتور عبد الله الرمادي من الدخول في روشتة النقد الدولي بسبب الأوضاع الاقتصادية، لأنها السبب في فقر الشعب وما يتبعها من ظواهر اجتماعية سالبة.
وذكر الرمادي أن رفع الدعم دون تدرج ودون منطق اقتصادي أدى إلى زيادة الأسعار ووضع اقتصادي منهار.

وقال الرمادي قبل ثلاث سنوات عند استلام الفترة الانتقالية، كان معدل التضخم (70)%، ونتيجة تطبيق روشتة النقد الدولي ارتفعت أسعار جميع السلع، الأمر الذي أدى لارتفاع نسبة الجريمة.

وأضاف الرمادي ارتفاع الدولار الجمركي من (٢٨) جنيهاً إلى (٤٠٠) جنيه سبب أساسي في تدهور الاقتصاد، وقال هناك غياب تام للحكومة أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وفقدت العملة الوطنية القوة الشرائية لها.

وقال الرمادي تفاقم الوضع الاقتصادي جعل الأسر توقف أبناءها من الجامعات والمدارس لعجزها عن توفير تكاليف المواصلات والرسوم الدراسية مما جعل أعداداً كبيرة من السودانيين في الشوارع دون عمل، وظهرت عديد من الجرائم مثل (٩) طويلة وأصبحت عملية السلب والنهب مهنة عند البعض تحت تهديد السلاح وتسور المنازل، وحدوث بعض الحوادث في وضح النهار بالشارع كخطف (شنط النساء) وخطف الهواتف، وأضاف أن مكاتب الشرطة تستقبل يومياًعشرات البلاغات.

 

وقال الرمادي إنه خلال الفترة الانتقالية انهكت الشرطة وهي خطة لتصبح الدولة في حالة من الفوضيى وينهار الانضباط والأمن وتصير إلى ما هو أسوأ بسبب تفاقم الوضع الاقتصادي.

أفراح وأتراح
وفي السياق ذاته قال الخبير الاقتصادي د.محمد الناير إن السودان به صفات جميلة مثل التراحم والتوادد ومساندة البعض في الظروف المرضية أو الأفراح والأتراح تخفف على الفرد من ضغوطات الظروف الاقتصادية التي يعيشها.
وقال الناير إن سياسات الدولة منذ بداية الفترة الانتقالية وإلى الآن وتنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي بكل قسوة على المواطن السوداني أدى إلى الضغوط الاقتصادية وعدم قدرة المواطن على تدبير الحد الأدنى لتكاليف المعيشة بصورة كبيرة مما أدى لزيادة معدلات الجريمة وضغوط نفسية على رب الأسرة والشعور بالعجز أمام متطلبات الأسر.

تدمير أسر
وقال إن الدولة لا تقف مع المواطن وتسناده في ظروفه الاقتصادية وتخفف عبء المعيشة ويلجأ ضعاف النفوس إلى ارتكاب الجرائم للحصول على المال لتوفير متطلبات الحياة مما يجعل انتشار الجريمة بسبب الظروف الاقتصادية، أمراً ربما يؤدي إلى تدمير أسر بأكملها.

وقال الناير إن معالجة القضية الاقتصادية سهل جداً، ولكن إذا لم تجد الدولة حلولاً لها سوف تكثر الجرائم وتمتد إلى انتشار النهب المسلح مما يجعل معالجتها أمراً صعباً جداً.

 

وأضاف على الدولة أن تعمل على تحسين أوضاع الحياة ومعالجة معاش الناس والتخفيف من الضغوط الاقتصادية للتقليل من معدلات الجريمة.
من ناحيتها قالت د.نعمة إبراهيم إن العوامل ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ لها ﺩﻭر مؤثر ﻓﻲ كثير من العوامل ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭالبطالة فقد أديا لاﻧﺨﻔﺎﺽ مستوى الدخل ﻭﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺛﺒﺎﺕ الدخل، وكذلك الرغبة ﻓﻲ الحصول ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺃﻭ الميراث.

ﻛﻤﺎ تهدد ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ المزرية بمزيد من التفكك الأسري، فبسبب عدم كفاية الدخل يضطر الكثير ﻣﻦ ﺍﻷﺯﻭﺍﺝ ﻟﻠهجرة إلى البحث ﻋﻦ ﻋﻤﻞ ﺑﺎﻟﺨﺎﺭﺝ، ﺃﻭ يضطر الزوج لهجر ﺃﺳﺮﺗﻪ ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﻣﺴؤﻮﻟﻴﺎﺗﻪ ﺗﺠﺎﻫﻬﺎ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ترتفع نسبة الطلاق، ﻓﻲ الوقت الذي تزداد فيه جرائم التحرش ﻭﺍﻻﻏﺘﺼﺎﺏ ﻟﻌﺠﺰ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻋﻦ تدبير تكاليف ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ، ﻣﻊ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺗﺸﻐﻴﻞ الأطفال وتركهم للتعليم للمساعدة ﻓﻲ زيادة ﻣﻮﺍﺭﺩ الأسرة، ولجوء البعض ﻟﻺﺩﻣﺎﻥ ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ للتغييب ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ المؤلم، ﻭﻛﻞ هذه العوامل تصب ﺑﺎﺗﺠﺎﻩ ارتكاب المزيد من الجرائم الأسرية ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﻭﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻷﻣﻦ داخل ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.

وتكمن خطورة ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ العنف والجرائم الأسرية في أن الأجواء الأسرية المشحونة بالتوتر والصراع تكون بيئة مهيئة للإصابة ﺑﺎﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ والسلوكية للأبناء؛ فتخرﺝ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺃﺟﻴﺎل ﻣﺘﺄﻫﺒﺔ لارتكاب مزيد من العنف والجرائم ﻭﺍﻻﻧﺤﺮﺍﻑ.
وأشارت نعمة لازدياد معدلات الجريمة مع بداية الأزمة الاقتصادية، وهو ﻣﺎ ﺃﻋﺎﺩ بؤرة ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺑﻘﻀﻴﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ السائدة ﻓﻲ الدول بمعدلات ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﻓﻴﻬﺎ، وقالت اﻷﺯﻣﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ تتمثل ﻓﻲ ﺗﺮﺍﺟﻊ مستويات النمو وارتفاع معدل البطالة ﻭﺗﺮﺍﺟﻊ مستويات الدخل.

سلوكيات غير شرعية
وأفادت نعمة بأن تزايد الضغوط ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ يولد ﺍﻟﻤﻴﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ الجرائم ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﻣﻊ ﺍﺗﺴﺎﻉ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻷﺯﻣﺔ ترتفع مستويات ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ وتتعدد أشكالها ﻛﺎﺳﺘﺠﺎﺑﺔ.
وأوضحت نعمة بالإضافة للآﺛﺎﺭ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ معدلات البطالة، حيث يزداد ارتفاع معدلات ﺟﺮﻳﻤﺔ ﺳﺮﻗﺔ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻭﺳﺮﻗﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻘﻞ ﺣﺎﻻﺕ ﺳﺮﻗﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﻓﻲ مواسم ﺍﻧﺨﻔﺎﺽ البطالة.

جرائم السطو
وأوصحت نعمة أن أبرز الجرائم ارتباطاً ﺑﺎﻷﺯﻣﺔ الاقتصادية، ﻫﻲ جرائم سطو وسرقة ﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻦ، حيث كانت ﺃﻛﺜﺮ أنواع ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﺍً، ﻭﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ وﺍﺭﺗﻔﺎﻉ معدلات ﺍﺳﺘﻬﻼﻙ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﺑﺎﺕ الكحولية ﻭﺟﻤﻴﻌﻬﺎ عوامل تساعد ﻋﻠﻰ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺪﻻﺕ ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ، وذكرت دكتور نعمة أن الحلول تكمن في ﺍﻟﺘقليل ﻣﻦ ﺍﻹﻧﻔﺎﻕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ، حل مشكلة العطالة، دفع عجلة الإنتاج وتقوية الوازع الديني وإحياء روح التعاون والتعاضد ومنع الوساطة.

 

قائد رشيد
ومن جانبه ذكرت الاستشاري النفسي إبتسام محمود أن الوضع الاقتصادي بالبلاد وصل لمرحلة عدم وجود ما يسد الرمق وازدادت معدلات الجرائم، وأكثر الجرائم الآن السرقة لكسب العيش.
وقالت إن الظروف الاقتصادية تؤدي إلى مشاكل نفسية تتسبب في كثير من الجرائم مثل القتل العمد والعنف.
وأضافت إبتسام الضغوط الاقتصادية والنفسية تجعل بعض الأفراد يلجأون إلى “شرب الخمر” والمخدرات رفضاً للواقع المعيشي، وذكرت أن تعاطي المخدرات يؤدي إلى ارتكاب الجرائم، وأرجعت إبتسام أن ضعف الأمن بالبلاد يؤدي إلى ارتفاع معدل الجريمة،

وذكرت أن السودان غني بالثروات ويحتاج إلى قائد رشيد يعمل على تغيير سلوك الناس ومحاربة الفساد.
وأضافت أن الظروف الاقتصادية التي يمر بها السودان ناتجة من سلوك المواطن بسبب غياب الوطنية.

الضرورة تبيح المحظورات
وقال الشيخ هاشم عبد الحكيم لـ(اليوم التالي) إذا اضطر الإنسان للسرقة بغرض سد الرمق (الأكل والشرب ) – وهي من ضروريات الحياة الرئيسية – تسقط عنه العقوبة في هذه الحالة، وأضاف أن الضروريات تبيح المحظورات، وأورد مثالاً لتعضيد حديثه وذكر أن رجلاً جاء باثنين من عبيده إلى عمر بن الخطاب فشكى إليه أنهما سرقا ناقة يملكها ثم ذبحاها، فسألهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن ذلك، فقالا يجعلنا نعمل ولا يعطينا أجرنا وأخذنا الناقة وأكلناها، فأقبل عمر بن الخطاب على الرجل ونهاه وزجره ولم يقم عليهما حد السرقة لأنهما كانا جائعين.
وقال هاشم إن الشريعة الإسلامية أمرت المجتمع للبحث عن “الرفاه” بقدر المستطاع وجني المال لا حرج فيه بالحلال.

        تقرير: فايزة أباهولو

الخرطوم: (صحيفة اليوم التالي)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى