تحقيقات وتقارير

السودان يناور بورقة خصخصة “شركات الجيش” لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية

خطط لبيع نحو 200 كيان تسيطر على القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية للبلاد

كشف السودان أنه يمضي قدما في خطط خصخصة الشركات المملوكة للجيش، في خطوة تعكس إصرار السلطات على التخلص من الكيانات التي لم تعد ذات فائدة للدولة لتوفير السيولة النقدية وجعلها أكثر كفاءة مستقبلا رغم تأخرها كثيرا، إذ اعتبر خبراء أنها مناورة لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية.
الخرطوم – يتكرر الحديث عن بيع وتصفية الشركات المملوكة للجيش أو إلحاق تبعيتها إلى وزارة المالية في السودان منذ الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير دون وجود خطوات عملية تشير إلى التنفيذ في ظل اتساع الأنشطة وتأثيرها على الاقتصاد وزيادة هيمنة الجيش على السلطة الانتقالية منذ إزاحة القوى المدنية في أكتوبر الماضي.
وأعاد وزير المالية جبريل إبراهيم الحديث مجددا عن بيع الشركات التابعة للجيش على هامش مشاركته في الاجتماعات السنوية للبنك الإسلامي للتنمية بمصر السبت الماضي، وأن بلاده تخطط لإغلاق نحو 650 شركة حكومية وخصخصة شركات أخرى. وأوضح أنه “سيجري طرح جميع الشركات التجارية للاكتتاب العام في أقرب وقت، باستثناء شركات السلاح”، دون أن يحدد المدى الزمني لذلك أو يوضح معالم الأنشطة التي تعمل فيها أو يُفصح عن وجود خطة متكاملة تضمن الاستفادة القصوى من تلك الكيانات في حال بيعها.

إمام الحلو: نرحب بالفكرة شريطة أن تكون مبنية على أسس سليمة
ورصد مسح حكومي نشر قبل عامين أن 200 شركة من تلك الكيانات تابعة للجيش، فيما تتبع الأخرى لوزارات وهيئات تنفيذية.
وتشير تقارير رسمية إلى أن شركات الجيش تعمل في إنتاج وبيع الذهب ومعادن أخرى والرخام والجلود والمواشي والصمغ العربي، وتنخرط في استيراد بعض السلع، وتسيطر على 60 في المئة من سوق القمح.
كما تعمل في مجالات الاتصالات والمصارف وتوزيع المياه والتعاقد والإنشاءات والتطوير العقاري والطيران والنقل والمنشآت السياحية وإنتاج الأجهزة المنزلية والأدوية والمساحيق والنسيج.

وبدا حديث إبراهيم بمثابة إلقاء حجارة في مياه قضية راكدة بفعل هيمنة الجيش على السلطة، وبدت هناك قناعة لدى دوائر سودانية أنه طالما لم تفلح ضغوط المدنيين أثناء وجودهم بالسلطة في تخفيف حدة سيطرة الجيش على قطاعات اقتصادية، لن يكون ممكنا الإقدام على الخطوة بعد أن أضحى أكثر هيمنة.
وجاء حديث وزير المالية كمناورة لتخفيف حدة الضغوط التي تمارسها أطراف خارجية وداخلية لإنهاء الوضع القائم وتحقيق مطالب الناس الذين أثبتوا قدرتهم على الصمود طيلة أشهر.
وعلاوة على ذلك إرسال إشارات غير مباشرة للمجتمع الدولي من جانب المكون العسكري بواسطة وزير المالية حول جديته للدخول في حوار سياسي مع المدنيين، استكمالا لخطوات تراها القوى المدنية منقوصة لتهيئة الأجواء لذلك.
وبدت تصريحات إبراهيم أمام اجتماع دولي حضره عدد كبير من وزراء الخزانة والمالية من دول مختلفة كأنها خطاب تسعى السلطة لتوجيهه إلى دوائر غربية هددت بفرض عقوبات على شركات وأشخاص حكوميين لأسباب تتعلق بارتكاب انتهاكات حقوقية واستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين والانقلاب على سلطة مدنية، في وقت يجري فيه السودان محادثات مع دول عدة لتمويل الاقتصاد.

وحذرت الإدارة الأميركية مؤخرا من التعامل مع الشركات المملوكة للجيش، وأصدرت وزارات الخارجية والخزانة والتجارة والعمل بيانا ألقى الضوء على مخاطر السمعة المتزايدة للشركات والأفراد الأميركيين الذين يقومون بالأعمال التجارية مع الشركات السودانية المملوكة للدولة وتلك التي يسيطر عليها الجيش.
ودعت الوزارات الشركات والأفراد العاملين بالسودان إلى بذل مزيد من العناية في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان وأن يكونوا على دراية بمخاطر السمعة المحتملة للقيام بأنشطة تجارية والتعامل مع شركات يسيطر عليها الجيش.

قصي مجدي: حديث وزير المالية عن الأمر لا يؤخذ على محمل الجد
وأرسلت الولايات المتحدة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مولي في إلى الخرطوم السبت الماضي، ما يعني أن هناك تحركات تقوم بها واشنطن لحث الخرطوم على تقديم التنازلات المطلوبة لاستعادة مسار الانتقال الديمقراطي، ما أفرز الحاجة إلى إرسال طمأنة بوجود توجه سوداني جديد للتعامل مع شركات الجيش.

وقال رئيس لجنة السياسات بحزب الأمة القومي إمام الحلو إن “العديد من التساؤلات تثار حول حديث وزير المالية وما إذا كان ذلك يعبر عن رأيه الشخصي أم أن هناك اتفاقا مع المكون العسكري على هذا التوجه، وليس لدى الأحزاب والقوى السياسية دراية بوجود موافقة رسمية لخصخصة الشركات التابعة للجيش”.
وأضاف أنه “في حال كان هناك توجه نحو البيع أو الخصخصة فإننا نرحب بذلك شريطة أن يكون على أسس سليمة وعدم وجود تمكين بديل للتمكين القديم وبيعها إلى شركات وهيئات لا يعلم أحد عنها أو تدور حولها أية شبهات”.
وأشار إلى أن الظرف السياسي الراهن الذي تواجه فيه السلطة وعلى رأسها المكون العسكري ضغوطا كبيرة بعد التلويح بفرض عقوبات على الأشخاص والشركات والتأثيرات السلبية عليها اقتصاديا وسياسيا، يدفع المكون العسكري إلى إيجاد سبل تخفف عنه.
وأوضح أنه قد يكون الحديث عن بيع الشركات أحد أوجهها، والأمر قد يصل إلى التنازل عن بعض الشركات وليس كلها في حال توالت الضغوط.

واتفق المكونان المدني والعسكري في مارس 2021 على نقل مجموعة من الشركات التجارية المملوكة للمؤسسة العسكرية إلى الوزارات الحكومية المدنية وعلى رأسها المالية.
وجرى التوافق حينها على نزع الصفة العسكرية عن الشركات التجارية التي شكلت نقطة خلافية نظرا إلى افتقار الحكومة الشديد للسيولة المالية، لكن سرعان ما تراجع العسكريون عن موقفهم.
وقد تصبح عملية تخلي العسكريين عن شركات الجيش سهلة حال اتخذت خطوات فاعلة في هذا الاتجاه، لكن من المرجح أن يشهد مشروع إعادة الهيكلة المزيد من الشد والجذب بين أطراف تسعى لتؤول كافة الشركات إلى وزارة المالية وتبقى الإدارة الفنية للجيش على شركات التسليح وتذهب الإدارة المالية إلى الحكومة.
ويسعى الجيش للحفاظ على القدر الأكبر من المداخيل الاقتصادية لتلك الشركات التي يعتبرها من الأسس الرئيسية التي يعتمد عليها لمواجهة الصعوبات الاقتصادية الحالية.

شركات الجيش تعمل في إنتاج وبيع الذهب ومعادن أخرى والرخام والجلود والمواشي والصمغ العربي
وتتسم عمليات تصفية الاستثمارات العسكرية أو نقلها إلى السيطرة المدنية بالتعقيد، ومن المتوقع أن تصبح العملية أشد بطئا، ما يجعل هناك توجسا من أبعاد تصريحات إبراهيم التي قد تنطوي على رغبة في كسب الوقت إلى حين إثبات جدية المكون العسكري في الحوار.
وأوضح المحلل قصي مجدي أن حديث وزير المالية لا يؤخذ على محمل الجد لأن وضعية شركات الجيش من أبرز أوجه الخلاف، كما أن اشتعال الصراع الحالي يجعل من المستحيل قبول الجيش بخروج شركاته من المعادلة مع استمرار الغضب في الشارع.
وذكر أن الجيش يوظف جبريل، وهو رئيس حركة العدل والمساواة القريبة من تنظيم الإخوان، لتنفيذ مشروع الاستحواذ على السلطة، وفي حال نجحت ثورة الشارع وسقطت السلطة فإن وزير المالية سيسقط أيضا، ويبقى التعويل على انتصار الثورة وتحقيق أهدافها المؤجلة.

صحيفة (العرب اللندنية)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى