منوعات وفنون

جذورها تعود إلى العمال..العمامة السودانية تلف في طياتها تاريخا وهوية

إن كانت للعمامة في بعض المجتمعات دلالة دينية، فتضاف إليها في السودان دلالة اجتماعية، إذ يعكس نوعها وخامة صنعها الوضع الاجتماعي، كما تعكس التوجه الطائفي والقبلي، فلكل مجموعة إثنية أسلوبها الخاص في ارتداء العمامة، كما لديها دلالة بيئية بسبب حرارة الطقس تعكس جذور وجودها.

العمامة أو “العمة” بالعامية السودانية تأتي في خاتمة عملية الاستعداد للخروج من المنزل إلى مناسبة ما، مثل الأعياد والمناسبات الاجتماعية والاحتفالات الرسمية وغير الرسمية بالزي القومي السوداني المعروف والمكون من “الجلباب والعراقي والسروال الطويل والمركوب، خصوصاً المصنوع من جلد النمر”.

ولطالما كان الزي السودان انعكاساً للثقافة الشعبية في البلد، تقتضيه مطالب الناس أو حاجاتهم الاجتماعية أو البيئية وفقاً للانتماء القومي. في الأعوام الأخيرة، تعرضت العمامة لكثير من التعديلات في التصميم واللون، ما أدى إلى آراء متباينة، بعضها ينطلق من إسهام التطوير في تعزيز مكانة العمامة وثباتها على رأس الزي القومي السوداني باتجاه الشباب لارتدائها بشكلها المحدث، والبعض الآخر يرى تقويض مكانتها وزوال العمامة الأصلية وإحلال مكانها بأخرى لا تعبر عن الهوية السودانية.

علامة مميزة

تعود جذور الزي إلى التواصل الثقافي بين الشعوب والحضارات على مدى التاريخ. يعبر أبو عبيدة البقاري، سفير الأمم المتحدة للفنون والفولكلور في السودان وفق صحيفة اندبندنتعن ذلك بقوله “الهجرات العربية للسودان من الأمور الجوهرية التي تشكل منها زي العمامة، فقد خلقت للسودانيين بعد هجرات عدة نوعاً من الثقافة وتميزوا بها على الشعوب الأخرى، وهي رمز للفولكلور السوداني عند الرجل مثل الثوب عند المرأة”.

ويستدرك البقاري “لكن هناك تاريخاً أبعد من ذلك يعيد جذور العمامة إلى تاريخ العمالة في السودان القديم، فكان العمال يضعون فوق رؤوسهم قطعة ملفوفة من القماش تُسمّى بـ(اللداية) وذلك لتقليل ضغط الغرض المحمول على الرأس، ويمكن رؤية ذلك بشكل واضح في الرسوم التي توضح بناء الأهرامات في وادي النيل، سواء كانت أهرامات الجيزة في مصر أم أهرامات البجراوية في السودان، بحيث كان العمال الذين ينقلون الصخور ومواد البناء يضعونها على رؤوسهم، لذلك فيمكن أن تكون بدأت منذ ذلك الوقت”.

ويضيف سفير الأمم المتحدة للفنون والفولكلور في السودان “وعندما تم تأسيس الجيش السوداني وقوة دفاع السودان، كانت العمامة أساسية في زي قوة دفاع السودان والبوليس ومسؤولي السجون في ذلك التاريخ وليس (البوريه) العسكري، وتكون ملفوفة بطريقة معينة. كما كان سائقو التاكسي يلتزمون ارتداء العمامة مع الجلباب لتقيهم حرارة الطقس، خصوصاً أنهم يقضون سحابة نهارهم في نقل الركاب”.

ويتابع “عندما خطط اللورد هربرت كتشنر، الحاكم الإنجليزي العام على الخرطوم مشروع الجزيرة عام 1906، وأقام نظام القنوات والري والإدارة ومفتشي الغيط الذين أوتي بهم من أستراليا لتميزها بالنشاط الزراعي، فإن نظام العمل في الري بالمشروع كان يعتمد على أن انسياب الماء يأتي من الخزان للكنار ومنه للترعة ثم يتوزع إلى الحواشات (المناطق الزراعية التي يملكها الأفراد)، فألبس المسؤول عن عملية الري عمامة خضراء تميزه عن بقية المزارعين أثناء تجواله للإشراف على عملية الري”.

العمامة المنقذة

وتُعدّ العمامة من مظاهر تماهي الحدود بين السودان والخارج حيثما يوجد السودانيون في بقاع الأرض المختلفة، إذ إنها تعبر الجغرافيا لتبرز في إطار تعبيري عن الهوية السودانية. يذكر البقاري قصة شهيرة لطالما رويت بصياغة واحدة فريدة لكن تعددت مناطق حدوثها حيث يوجد مغتربون سودانيون وهي أن “أحد السودانيين خرج من مدينة ملبورن إلى سيدني في أستراليا، وفي طريقه صادف تعطل سيارة أحد المواطنين الأستراليين، فعرض عليه السوداني المساعدة، ولما وافق، لم يستطع السوداني إصلاحها، فكان أن أشار إليه باعتمار العمامة والوقوف في الطريق السريع وجزم له أن هذا الزي سيستدعي أي سوداني يمر من خلاله، فلما اقتنع بلبسها تكاثرت عليه السيارات لعرض المساعدة وأغلقت الطريق إلى أن تدخلت الشرطة”.

يوضح البقاري أن “للعمامة بعداً آخر جاء ذكره في كتاب (طبقات ود ضيف الله)، أحد أشهر كتب التراث السوداني الذي يتناول حركة المجتمع السوداني في فترة سلطنة الفونج (1504 – 1821)، وأن السوداني كان يرتدي العمامة ويحمل العصا لأن المسافات كانت بعيدة في تلك الفترة والسفر يستغرق أشهراً أو أياماً طويلة، لأي غرض كان، اجتماعياً أو تجارياً. ولوجود الحيوانات المفترسة والسيول والأمطار، فإن العمامة تُعدّ كفناً أي إذا توفي الشخص أثناء رحلته، فيكفن ويدفن بها. فكما تعبر عن الزهو والفخر، فإنها ترمز إلى الكفن وتشير في الذهنية الدينية إلى أن الشخص مستعد للموت في أي زمان ومكان، وارتبطت هذه الحال بجذور تاريخية اجتماعية كان فيها السودان في حالة حروب وتوسع ممالك وسلطنات”.

الخرطوم( كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى