تحقيقات وتقارير

كارثة النفايات… البامبرز والفوط الصحية تلوث العاصمة

(900) طن نفايات تلفظها محلية الخرطوم يومياً

المحليات وهيئة النظافة ليست وحدها المسؤولة عن (وساخة) العاصمة

(17500) كمية النفايات الواردة للمرادم في وقفة كل عيد أضحى

نقل النفايات من ولاية الخرطوم يحتاج يومياً إلى (585) آلية و(1924) عامل

 

 

بامبرز وفو

ط صحية ملقاة وسط نفايات منزلية داخل أحد أحياء العاصمة .. كارثة صحية بحق وحقيقة!

**أطباء وخبراء بيئة أكدوا أن معظم الأمراض التي تبتلى بها ولاية الخرطوم وغيرها من ولايات البلاد المختلفة، سببها انتشار النفايات داخل الأحياء والشوارع والميادين والأسواق ومصارف الأمطار الرئيسية والفرعية والتي تحولت لمكبات نفايات مخلوطة بالمياه لفترات طويلة دون نقلها والتخلص منها بطريقة آمنة .. مشهد النفايات أصبح للأسف معلماً بارزاً من معالم العاصمة القومية بكل أحيائها الراقية والشعبية .. وهناك أسباب كثيرة للفشل الذي ظل ملازماً لعملية نقل والتخلص من النفايات تشترك فيه جهات عديدة ومنها المواطنون أنفسهم، وليست المحليات أو هيئة النظافة وحدها المسؤولة عن (وساخة) عاصمتنا القومية والتي تدعو حالتها للرثاء والخجل .. صراحة هناك تقاعس وبيروقراطية وإهمال تحيط بعملية النفايات والتخلص منها والتي أصبحت صناعة تدر الأرباح للمحليات والشركات العاملة في هذا المجال من نقل وتدوير .. بينما نحن في السودان لا نزال ننظر إليها من زاوية تقليدية لدرجة أننا أصبحنا نتعامل معها كأمر عادي لجهل الكثيرين بخطورة انتشار كل هذه الكميات الكبيرة في كل شبر من مساحة الولاية .. التحقيق التالي يناقش (كارثة النفايات) التي أصبحت تهدد صحة وبيئة ولاية الخرطوم وكيفية التخلص من هذا المأزق الذي يحاصرنا جميعاً**.

 

 

خطورة البامبرز

صرخة داوية أطلقها في وجهي عدد من خبراء البيئة والصحة العامة والأطباء من خلال لقاءاتي بهم في سياق هذا التحقيق، يحذرون من خطورة تراكم النفايات بكل أحياء الولاية بهذه الكميات الكبيرة، خاصة (البامبرز) الذي تستخدمه الأمهات لأطفالهن صغار العمر، حيث يتم التخلص من آلاف القطع منه بما تحويه من مخلفات الأطفال إضافة لـ(الفوض الصحية) والتي أيضاً تفرزها المنازل بالآلاف يومياً ويضعنها بطريقة خاطئة مع النفايات المنزلية العادية لتلقى معها في (الكوش) التي أصبحت تغطي كل أحياء العاصمة، رغم أن التعامل والتخلص منها يفترض أن يتم بنفس تعامل النفايات الطبية لكونها تحتوي على (دم)، فهي إذن نفايات طبية لا يفترض وضعها مع النفايات المنزلية، ولكن هذا ما يحدث تماماً لجهل كثير من الأمهات والفتيات بالآثار الصحية لترفهن هذا.. وخطورة التخلص الخاطئ لـ(البامبرز) و(الفوط الصحية) في ظل عدم نقل النفايات بصورة منتظمة من الأحياء كما هو حادث الآن، إنها تتعفن وتتحول لبؤر لتوالد الجراثيم والبكتريا المتسببة في الأمراض.. والأخطر أن الكلاب الضالة تبحث عنها وتتناولها كوجبة مفضلة لها، بينما يلامسها الأطفال والصبية الشماسة بأياديهم أثناء بحثهم في القمامة عن عبوات المياه البلاستيكية وبعضهم عن فضلات الطعام والذي يكون مخلوطاً بمثل هذه الملوثات، فينشرون بدورهم التلوث بكل أنواعه للغير.

وللخطورة الماثلة اليوم من تراكم النفايات وعدم نقلها بالسرعة المطلوبة، فمحلية الخرطوم لوحدها تلفظ (700 ـ 900) طن نفايات يومياً، بمعدل (2500) طن شهرياً، وهي تخرج من المنازل، والأسواق، والمرافق الحكومية، والأسواق، والشوارع السيادية والرئيسية والفرعية، وصالات الأفراح، والملاهي، والأندية.

 

ويمكن أن نفصل ذلك بالأرقام، وحديث الأرقام لا يكذب.. فولاية الخرطوم بها (170) شارعاً رئيسياً وفرعياً، و(186) حياً سكنيا، و(1500) سوبر ماركت، ومئات المجمعات التجارية، و(9) أسواق مركزية كبيرة، و(30) سوقاً صغيراً، و(1700) مطعم وكافتيريا، و(350) مدرسة حكومية وخاصة ابتدائي ومتوسطة، ومئات الجامعات والكليات والمعاهد ومراكز التدريب المهني.. بجانب الوزارات والمحليات والمصالح الحكومية، والسفارات الأجنبية.. ويدخل للعاصمة يومياً (4) ملايين.. ويبلغ عدد سكان محلية الخرطوم وحدها حوالي (3) ملايين نسمة.. وتعد محلية أمبدة من أكبر محليات ولاية الخرطوم، تسكنها أعلى نسبة من سكان الولاية، فمساحتها مترامية الأطراف لدرجة أن البعض يطلق عليها تهكماً (ولاية أمبدة).. ولكم تصور كمية النفايات التي تخرج يومياً من المناطق المختلفة المذكورة سلفاً، لا شك أنها كمية مهوولة.. وكما أشرنا أن محلية الخرطوم لوحدها تفرز حوالي (700 ـ 900) طن نفايات يومياً فما بالكم بالمحليات الأخرى لولاية الخرطوم..

 

وحسب إحصائية تحصلت عليها من الجهات المختصة فإن نظافة وإزالة ونقل نفايات المرافق المذكورة تحتاج لحوالي (285) آلية على الأقل، وباستطاعتها ـ لو توفرت ـ نقل (718) دوراً في اليوم الواحد بمعدل (298) طن متري في اليوم.. وكمية النفايات المذكورة تحتاج إلى (1924) عامل نفايات لكل محلية من محليات ولاية الخرطوم، ولكن أين هي الآليات والعمال الذين ينقلون هذه الكميات المهوولة من النفايات؟!!.. علماً أنه خلال وقفة الأعياد الدينية ـ رمضان المعظم والأضحى المبارك ـ تتفاقم إشكالية النفايات للإفراز الكبير، حيث أن سكان العاصمة يقومون قبل هاتين المناسبتين بحملات نظافة لمنازلهم وخارجها، أي (نظافة موسمية)، ولذلك تلفظ المنازل بالأحياء المختلفة كميات مضاعفة من النفايات المنزلية، بجانب الأسواق الشعبية خاصة سوق (سعد قشرة) ببحري، والذي يتحول لأول أيام العيد إلى (سوق من ورق وبلاستيك)، و(سوق ليبيا) غرب أمدرمان.. وقد تصل كمية النفايات الواردة للمرادم الوسيطة والنهائية في وقفة عيد الأضحى حوالي (17500) طن.

 

خطورة المرادم

يفترض نقل هذه الكمية الكبيرة من المخلفات بالسرعة المطلوبة للمحطات الوسيطة والمرادم.. والمرادم والتي تمثل المكان النهائي الذي يتخلص منه من النفايات أصبحت هي الأخرى مصدراً كبيراً لتلوث العاصمة لعشوائية والأسلوب المتخلف الذي تتبعه.. حيث تصل إليها الجرارات الكبيرة ناقلة النفايات من المحطات الوسيطة بعد أن تبعثر نصف حمولتها خلفها على الطرق التي ترتادها.. كمثال أنني توجهت مؤخراً لزيارة مردم النفايات الواقع شمال مدينة الصحفيين بالثورة الحارة (100)، شمال غرب سوق صابرين ولا يبعد عنه كثيراً.. وقتها لم أكن أعرف موقعه تحديداً لكنني تعرفت عليه بكمية النفايات المتناثرة على أحد الشوارع الأسفلتية قبالة مدينة الصحفيين أمدرمان، فتتبعت أثر النفايات بعدها هاجمتني أسراب من الذباب فامتلأت السيارة به وهاجمني داخلها فاضطررت للتوقف لإخراجه لكنه رفض وأبى الخروج، بل ظل ملتصقاً بي وبالمقاعد وبسقف السيارة من الداخل، ولازمني ملتصقاً بالسيارة حتى وصولي مقر الصحيفة بالخرطوم.. وقتها فقط علمت أنني على مشارف مردم النفايات فتابعت بقايا النفايات وحركة الذباب القادم منه حتى شاهدته أمامي وهو عبارة عن جبل نفايات، يتصاعد منه دخان ذو رائحة كريهة.. حيث علمت أنهم يتخلصون من النفايات بالحرق وهي طريقة بدائية وخطرة، يشكو منها سكان أحياء الثورة أمدرمان القريبة من المردم، خاصة مدينة الصحفيين الحارة (100) أمدرمان.. وكما علمت من بعض المواطنين القاطنين جنوب المردم أن كثيرين منهم غادروا المنطقة نهائياً بسبب كثافة الذباب المتوالد، حيث أن المردم تحول لحاضنة كبيرة وخصبة له بها ما لذ وطاب من بقايا الطعام والبامبرز والفوط الصحية، وحريق النفايات والروائح الكريهة المنبعثة من المردم خاصة في الخريف والشتاء بواسطة الرياح الشمالية.. وهناك مرادم أخرى بكل محلية تقريباً منها (مردم حطاب) بشرق النيل، ورغم بعده عن الأحياء السكنية إلا أن التخلص من النفايات فيه أيضاً يتم بالدفن والحرق والذي يمكن أن ينتشر لمسافات بعيدة ويصل لبعض الأحياء.. أما المحطات الوسيطة فمعظمها تقع إما داخل أو حول بعض الأحياء.. ألم أقل لكم إن النفايات بولاية الخرطوم (كارثة)؟!.

              تحقيق: التاج عثمان

الخرطوم: (صحيفة الحراك السياسي)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى