آراء

أرواحٌ تنير في ظلام الحرب

عندما نتحدث عن الحروب والنزاعات المسلحة، تخطر في بالنا تلك الصور المأساوية للأطفال الذين يصبحون ضحايا للعنف والدمار، إذ في هذا العالم كثيراً ما يتحول الأطفال الأبرياء إلى وقودٍ يشعل الحروب ويغذي نيرانها. إنهم يتحملون أعباء لا تُطاق ويعانون من آثار مدمرة لهذه الحروب المستعرة، إذ يبدون كغصنٍ هشٍ يتعرض لعواصف الشر والدمار.

إنهم الضحايا الأبرياء الذين يفقدون حق الطفولة ويواجهون ألماً لا يعد ولا يحصى. وفي مناطق مختلفة من العالم يكتب الأطفالُ قصصاً مأساويةً يروون فيها تجاربَهم القاسية في مواجهة الحروب.. بعضهم يفقد حياته، وبعضهم يعاني الإصابات الجسدية والنفسية طوال حياته. عندما يخسر الأطفال حقهم في الطفولة، يفقد العالم جانباً مهماً من جوانب إنسانيته، فالأطفال هم بذور المستقبل، وإذا ما ترعرعوا وسط الدمار والعنف فسينقلون ذلك في رحلتهم الحياتية، أما إذا تمكنوا من البقاء على قيد الحياة والتعافي من جروحهم، فسيصبحون أبطالاً يحملون قصصاً ملهمةً للعالم.

قصص الأطفال الضحايا تجعلنا ندرك حجمَ الظلم والظروف القاسية التي يعيشونها، وهي قصص تروي حقيقةً صادمة وتعكس بشكلٍ مؤلم واقعَ الحروب وتأثيرها العميق على حياة الأبرياء، لكن في هذه القصص المؤلمة نجد شجاعةً وإصراراً يتجليان في وجوه هؤلاء الأطفال، سواء على ضوء ما يجري في قطاع غزة أو ما جرى ويجري في بلدان أخرى من حروب أهلية وتناحر طائفي. وفي أحداث حرب غزة الحالية، حيث بلغ عدد الضحايا نحو اثني عشر ألف شخص مثّل الأطفال ثلث العدد الإجمالي للقتلى.

وقد امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بنداءات واسعة تطالب بضرورة وقف الحروب من أجل الطفولة والسلام، معلنةً رفضَها اغتيالَ الأطفال على اعتبار أن استهدافهم يتعارض مع كل الشرائع والقوانين والأنظمة والأعراف بحق الطفولة، وهو جريمة لا يمحوها الزمن مهما طالت أمد النزاعات والأزمات. إنه من المؤلم والمحزن أن يصبح الأطفال ضحايا للحروب ويعانون من العواقب الوخيمة للنزاعات المسلحة، رغم أنهم يستحقون الحماية والرعاية ويحتاجون ظروفاً ملائمة للنمو والتطور! لنتجاوز الظلام ولنعمل معاً من أجل بناء عالم يحمي حقوقَ الأطفال ويشجعهم على السلام والتعايش السلمي.
ومن خلال جهودنا المشتركة يمكننا تحقيق ذلك العالم المنشود، حيث يكون الأطفال نور الأمل وطاقة التغيير.لكن يجب ألا نقتصر على التأمل في هذه المشاهد المؤلمة، بل يتعين أن نسعى جميعاً للعمل على وقف الحروب والنزاعات المسلحة، ولحماية الطفولة وحقوقها وضمان بيئة آمنة ومستقرة لنمو الأطفال وتطورهم. إنهم يستحقون العيشَ في عالمٍ يعتني بهم ويحميهم، يتمتعون فيه بفرصٍ حقيقية لتحقيق أحلامهم وتطوير مجتمعاتهم. لنتجاوز العنف والدمار، ولنعمل معاً لبناء عالمٍ يكون فيه الأطفال هم طاقة السلام وقوة التقدم، بدلاً من أن يكونوا وقوداً للحروب وذخيرةً للدمار، فالأطفال هم أملنا ومستقبلنا، ولنتعهد بجعل عالمهم أفضل وأكثر إنسانية. وحسناً فعلت دولة الإمارات بإطلاقها مبادرةً لمعالجة ألف طفل من غزة واستضافتهم مع ذويهم، وإرسالها مستشفى ميدانياً إلى غزة.. وهي لفتة إنسانية نبيلة ومهمة للغاية.

وعلى الدول والمنظمات الإنسانية المعنية الإسراعَ بإنقاذ الأطفال ومعالجة هذه الكارثة الإنسانية التي تهدد مستقبل الطفولة وتلحق بها أكبر الأضرار الجسدية والنفسية.. إنهم أرواح بريئة ومنيرة تدفع ثمنَ المأساة في ظلام الحرب!

د. علي القحيص – كاتب سعودي
صحيفة الاتحاد

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى