آراء

الأرقُ.. غيضٌ من فيضٍ!

يتمتَّعُ أصحابُ النَّومِ الجيِّدِ وأوقاتِ النَّومِ والاستيقاظِ المُنضبطةِ، بصحَّةٍ بدنيَّةٍ ونفسيَّةٍ أجودُ من غيرِهم على الأرجحِ، ويتحصَّلونَ بصورةٍ عامَّةٍ على درجاتٍ علميَّةٍ وأكاديميَّةٍ أفضل، كمَا يتميَّزُ أداؤُهم الوظيفيُّ والمهنيُّ بالانضباطِ والإتقانِ. وفي المُقابلِ، يُعانِي كثيرُونَ من الأرقِ المزمنِ وتقطُّعِ ورداءةِ النَّومِ، وقدْ يُرجعُ بعضُهم ذلكَ إلى حالاتِهم النفسيَّةِ السيِّئةِ ومِزاجِهم المُضطربِ، أو فرطِ الضُّغوطاتِ الاجتماعيَّةِ والعائليَّةِ والوظيفيَّةِ، فحسْب.

إلَّا أنَّ أسبابَ اضطراباتِ النَّومِ المعروفةِ، تعودُ إلى عواملَ عُضويَّةٍ وسلوكيَّةٍ، بالإضافةِ إلى بعضِ الاضطراباتِ النَّفسيَّةِ، وتظهرُ في بعضِ الأحيانِ كأثرٍ جانبيٍّ لتناولِ بعضِ العلاجاتِ الدوائيَّةِ. فمثلًا، يُعانِي كثيرٌ من المُصابِينَ بِمتلازمةِ انقطاعِ التَّنفسِ أثناءَ النَّومِ، وأهم أعراضهَا الشَّخيرُ المُزمنُ، من رداءةِ النَّومِ، وفرْطِ الإعياءِ أو النُّعاسِ أثناءَ ساعاتِ النَّهارِ، قبلَ أنْ يتمَّ تشخيصُهم بهذِهِ المُتلازمةِ بعدَ سنواتٍ، نتيجةَ اشتدادِ الأعراضِ وظهورِ بعضِ المُضاعفاتِ، وارتفاعِ الوعي الصِّحيِّ باضطراباتِ النَّومِ، فضلًا عن تحسُّنِ البُنيةِ الأساسيَّةِ لطبِّ النَّومِ.ويُصابُ عددٌ غيرُ قليلٍ من مرضَى مُتلازمةِ السَّاقَينِ غيرِ المُستقرَّتَيْن، وارتجاعِ حموضةِ المعِدةِ، واضطراباتِ الغدَّةِ الدَّرقيَّةِ، وأمراضِ الجهازِ التنفسيِّ كالرَّبو الشُّعبيِّ، وأمراضِ المفاصلِ والعَضلاتِ مثل «فايبروميالجيا»، بالأرقِ والتَّملمُلِ أثناءَ النَّومِ. أمَّا النِّساءُ، فيتعرَّضنَ لاضطراباتٍ عضويَّةٍ ونفسيَّةٍ، وتغيُّراتٍ هُرمونيَّةٍ، تُسبِّب شكوَى كثيرٍ منهنَّ من الأرقِ بأنواعِهِ أثناءَ فتراتِ الدَّورةِ الشهريَّةِ، وبعدَ مرحلةِ انقطاعِ الطَّمثِ.

وإضافةً إلى الأسبابِ العُضويَّةِ، تجتمعُ بعضُ السُّلوكيَّاتِ كالإفراطِ في تناولِ المُنبِّهاتِ كالكافيين والنيكوتين، وسوءِ العاداتِ الغذائيَّةِ، ومُتابعةِ الوقتِ ووسائلِ التَّواصلِ الاجتماعيِّ أثناءَ الاستلقاءِ للنَّومِ، إضافةً إلى الحرمانِ الطَّوعيِّ مِن النَّومِ (السَّهر المُتعمَّد)، واختلالِ نمطِ السَّاعةِ الحيويَّةِ للنَّومِ والاستيقاظِ كمَا في عملِ الورديَّاتِ المُتعاقِبةِ، لتُكوِّن مجموعةَ أسبابٍ أُخْرى.

ولا شكَّ في أنَّ اضطراباتِ المِزاجِ والقَلقِ ترتبطُ ارتباطًا وثيقًا باضطراباتِ النَّومِ، حيثُ يُعانِي المريضُ من أرقِ بدايةِ النَّومِ، ورداءةِ جوْدتهِ، والاستيقاظِ في وقتٍ مبكِّرٍ غيرِ اعتياديٍّ، بوصفِهَا أعراضًا تُساعدُ على تشخيصِ الاكتئابِ، وتكُونُ نفسُهَا مِن أهدافِ العِلاجِ.من الضَّروراتِ المِهنيَّةِ الاهتمامُ بزيادةِ التَّوعيةِ باضطراباتِ النَّومِ لدَى الأطبَّاءِ غيرِ المُتخصِّصين، وبذلِ مزيدٍ من الجُهودِ الصِّحيَّة لتوفيرِ جميعِ الإمكاناتِ، وتدريبِ المُختصِّينَ لتشخيصِ وعلاجِ أمراضِ النَّومِ المُختلفةِ، تجنُّبًا لمُضاعفاتِهَا الصِّحيَّةِ والنَّفسيَّةِ والسُّلوكيَّةِ المُختلفةِ، ومِن ضمنِها الوفاةُ المُبكِّرةُ.

د. ايمن بدر كريم – صحيفة المدينة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى