آراء

هل رضيت؟

ما أجلّ أن تمضي في دروب الأيام راضياً، قد قصرت عينك عن رزق غيرك، وركزت فيما بين يديها من الآلاء والنعم، متشاغلة عن غيرها بالاستغراق في الحمد والشكر، واهتمت نفسك بالانغماس في التزكية والتطهير، والتحسين والتطوير، وفي الإحسان والارتقاء، قد سمت روحك عن ملاحقة الصغائر، والجري وراء القشور، متأملاً بعين بصيرتك ما أنت عليه من الحال، وما أنت صائر إليه من المآل، فلا تلبث أن تتشح برداء الحكمة فتضع الأمور في نصابها، وتتعامل معها بحجمها دون مبالغةٍ أو تسفيه، وبلا شطط أو تسخيف قد استراحت نفسك من هم العداوات، والإغراق في المجادلة والخصام، ومن مطاردة الإنجازات، وملاحقة النجاحات، ومحاولات الإثبات وحشد التأييد وكأن تلك الأمور هي ما ستخلع عليك السمت والرفعة، وما ستضفي عليك الكرامة والقيمة! وما هي سوى رداء يغطي به المرء ضعف دواخله، أو قناع يُخفي وراءه الشعور بالذل والهوان أو العار والمنقصة!.

قد رضت نفسك، واطمأن قلبك، وارتاح بالك، وصفت سريرتك، وهدأت خطوتك، وزاد يقينك، وتلألأت أنوارك لأنك تُدرك أنك القيمة، ومصدر التثمين، ومنبع التقدير، وأنك مُحاط برحمات الرحيم، ولطف الودود، وتدبير الحكيم، وأن كل خطوة صادقة تتقدم بها في ذلك المسير إنما هي خطوات عديدة في عمر التحقيق، لأن البركات تطوي الزمن، وتُثري النوال، وتهب لذة الوصول، وتُذكر بالحمد، وتتنعم بالرزق دون تباهٍ أو انتظار لإعجابٍ يُستمد منه القيمة، أو تصفيق يروي ظمأ سمعك للتقدير، أو إشادة تلهمك الزاد للمسير!.

لحظة إدراك:

ليس المعنى مما سبق ألا يطلب أو يستقبل المرء ما أكرمه الله به من طيب السمعة، ورفعة الذكر، وعلوّ الأثر، ورفعة المقام، فهذا مما يجتبيه الله لمن يحب ويختار له الصيت الحسن في الدنيا والمقام العالي في الآخرة، وليس المقصد أن يقصر طموحك، أو تتوارى رغباتك في تحقيق النجاحات، وترك حُسن الأثر، أو لا تتطلع إلى التمكين والسعة والتأثير، ولكن المرمى ألا تكون تلك الأمور هي الهدف والأصل الدافع، أو المصدر الذي تنبع به رغبتك لتسد بها جوع طويتك للتثمين والقيمة، ورسم صورة متلألئة القشور خاوية اللب، لم ينلها سوى شهرة الصيت دون صدق الأثر وبركات الوصول!.

خولة البوعينين – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى